يعيش طلاب المهني في لبنان تحت وطأة صورة نمطية سلبية أسقطها عليهم المجتمع. صورة يحاول بعضهم التفلّت منها من خلال إثبات جدارتهم والكدّ، إن كان في ميدان الدراسة أو العمل. لكن كيف يحققون ذلك، وخصوصاً في ظل إصرار المجتمع وسوق العمل على تصنيفهم طلاب «درجة ثانية»؟
سمية علي
«ما إلك إلا المهنية». هكذا قيل لحسين عندما رسب في الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة. رضخ الطالب لتوجيهات أهله ولجأ إلى إحدى المهنيات ليتخصص في مجال المحاسبة والمعلوماتية. فبناءً على الصورة النمطية الراسخة في أذهان الكثيرين، تمثّل المهنيات ملجأً للراسبين، حكم لا يوافق طلاب المهني عليه. هو مجرّد «حكم مسبق» يلاحقهم، كما يقولون، يغذّيه إهمال الدولة للقطاع المهني، الذي لم يختره بعضهم عبثاً، أو نتيجة فشل، كما هو شائع.
فالطالب عفيف قاروط مثلاً قرّر التخصص في المحاسبة في إحدى المهنيات بعد نجاحه في الشهادة المتوسطة بدرجة جيد. يبتسم عفيف بسخرية عندما يستمع إلى ما يقال عن طلاب المهني، لافتاً إلى أنه كان بمقدوره الاستمرار في التعليم الأكاديمي، لكنه فضل المهني لأنه «يؤهلني أكثر للانخراط في مجال العمل لاعتماده على الجانب العملي أساساً، على خلاف التعليم الأكاديمي الذي يعطي الطالب مجرد مفاهيم عامة ونظرية».
في باحة إحدى المهنيات، تجلس طالبتان تتبادلان أطراف الحديث. تستنكران ما يتردّد عن طلاب المهني، وتظهر علامات الاستياء واضحة على وجهيهما وهما تناقشان القضية.
فمنذ سنواتها الدراسية الأولى وداليا صدقة تتمنى أن تكون مهندسة ديكور. بعد نجاحها في شهادة البكالوريا الرسمية، تقدمت إلى معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، لكنها «لم توفّق» كما تقول، عازية ذلك إلى «أولوية من له واسطة في الدخول» كما تنامى إليها حينها. عندها اختارت التعليم المهني الذي وجدت أنه يؤهلها لأن تكون مهندسة ديكور بامتياز. تصمت قليلاً وتضيف: «مع أن والدي رفض فكرة دخولي إلى المهنية معتبراً أن الشهادة الجامعية أفضل حتى لو اضطررت إلى التخلي عن هندسة الديكور لمصلحة اختصاص لا أحبه». تتدخل صديقتها ردينة لترجع سبب هذه النظرة الدونية إلى «قلة الثقافة وعدم إلمام الآخرين بما يدرّس في المهنيات من برامج لا تقل بمستواها عن البرامج الجامعية لا بل تتفوّق عليها لناحية الجانب التطبيقي».
تجلس مجموعة من الطلاب أمام أحد مباني المهنية، يدخنون السجائر ويتبارزون في لفت أنظار الفتيات. لا يعلمون ما أتى بهم إلى المهنية. «ربما لأن جوّ المدرسة لم يناسبنا» كما يقول أحدهم غامزاً.
وفيما البعض لا ينظر إلى طلاب المعاهد والمهنيات إلا من زاوية هؤلاء، يقتضي التساؤل عن سبب عدم شمول هذه النظرة السلبية طلاب الجامعات الذين يكون بينهم من لا يرتاد الجامعة إلا لارتياد الكافيتيريا أو «لطق الحنك»، كما يقول إيهاب عمرق، الذي يدرس هندسة المساحة في إحدى المهنيات الرسمية كما يعمل أيضاً في إحدى الشركات لتحصيل مصروفه. يصف إيهاب تجربته في سوق العمل بالجيدة، والسبب يرجع إلى «البرامج العملية المكثفة في المهنية التي أهّلتني لممارسة عملي بطريقة حرفية». يوضح أنه ليس نادماً على اختياره التعليم المهني ثم يصمت قليلاً ليطالب بتطبيق الدولة لنظام LMD في المهنيات، ما سيتيح له معادلة شهادة الـTS التي يحملها وبالتالي الانتساب إلى نقابة المهندسين.
فتلك الصورة النمطية السلبية هي بمثابة شبح يطارد المتخرجين أيضاً، وخصوصاً في أماكن عملهم. فحسين قاروط، الذي يحمل شهادة TS في المحاسبة والمعلوماتية، يبدي استياءه لعدم نيله أي ترقية في مكان عمله «لأن الشهادة المهنية أقل مستوى من الشهادة جامعية»، يبرّر له صاحب العمل.


مفتاح الحل في جيب الدولة

في لبنان 365 مهنية في القطاع الخاص و106 في القطاع العام. أما عدد الطلاب الذين يتوزعون على هذه المهنيات فيبلغ نحو مئة وخمسة آلاف طالب. حالياً هناك مطلب واحد يجمع هؤلاء وهو الاعتراف بشهادة TS من خلال معادلة موادها لمن يريد استكمال تخصصه في الجامعة لاحقاً، على خلاف النظام المطبق حالياً والقاضي باعتبار حامل شهادة TS المهنية طالب سنة أولى في الجامعة اللبنانية من دون معادلة مواده مع مواد السنة الأولى. وبحسب أحد الأساتذة المهنيين فإن القطاع المهني يحتاج إلى التفاتة من الدولة من حيث تطوير المختبرات الفنية والارتقاء بمستوى الامتحانات الرسمية، ما سيساهم حتماً في التخفيف من عبء الصورة النمطية السائدة.