غادة دندش
ما زال فيروس إنفلونزا الخنازير يمثّل هاجساً مرعباً على المستوى العالمي. سرعة انتشاره تفوق سرعة العلماء في القدرة على إنتاج لقاح خاص به، لكن ثمّة تحديدات أكثر دقة عنه صدرت في الأيام الأخيرة. إنفلوانزا الخنازير فيروس من النوع «أ»، أي إنه ينتمي إلى مجموعة الفيروسات التي تصيب الإنسان والحيوان على السواء. فيروسات هذا النوع الموسمية تصيب سنوياً عدداً كبيراً من الأشخاص، لا سيّما خلال الشتاء، وتسبّب عدداً لا بأس به من الوفيات في العالم. يختلف هذا النوع عن النوعين الآخرين من الفيروسات المسبّبة للإنفلوانزا أي النوع «ب» والنوع «س»، لأن هذه الأخيرة تصيب البشر فقط وتسببّ حالات إنفلوانزا متوسطة العوارض («ب») وخفيفة العوارض («س»). أطلق العلماء على إنفلوانزا الخنازير تسمية جديدة تعتمد على تركيبة قشرة الفيروس وهي فيروس «إتش وان أن وان» H1N1. هذان الحرفان هما رمزا المستضدات Antigens الموجودة على سطح الفيروس من النوع «أ». تنقسم فيروسات هذا النوع إلى فرعين، الفرع H وهو الذي تسبب فيروساته الحالات الوبائية، لأن هذه التركيبة تساهم في تقوية قدرة الفيروس على الاستقرار داخل خلايا الجسم المضيف واختراقها والتكاثر في داخلها. أما الفرع N فيمنح الفيروسات التي تكوّنت ضمن الخلية القدرة على الخروج منها والانتقال إلى خلية أخرى. إنفلوانزا الخنازير هي إذاً مرض يصيب البشر بسبب التقاطهم فيروساً يصيب عادةً الخنازير. وقد ثبت في شهر نيسان (أبريل) في المكسيك والولايات المتحدة أن هذا الفيروس بات ينتقل من إنسان إلى آخر. ومع رَفع حالة الطوارئ إلى الدرجة الخامسة على سلّم من ستّ درجات، بات من المرجّح أن يتحوّل هذا المرض إلى حالة وباء عالمي. الفرق بين الوباء والإنفلوانزا الموسمية هو أن هذه الأخيرة، رغم أنها تتكرّر في كل عام، وتحصد بعض الوفيات، ويخضع الفيروس المسببّ لها إلى تغيرات في بنيته، إلا أنه من الممكن التنبؤ بهذه التغيّرات النمطية وإنتاج اللقاح المناسب لها سلفاً. أما الوباء فينتج من تحوّل فيروس يصيب الحيوانات والبشر إلى حالة يصبح فيها قادراً على الانتقال من إنسان إلى آخر. وبما أن الجسم البشري لن يملك في هذه الحالة أية مناعة في مواجهة هذا الفيروس المجهول بالنسبة له، يصبح الانتشار سريعاً، وتصبح نسبة الوفيات بين المصابين عالية. إن إنتاج لقاح لأي فيروس من هذا النوع يتطلّب أولاً معرفة دقيقة بتركيبة الفيروس الكيميوبيولوجية وثانياً الوقت الكافي أي أربعة أشهر حدّاً وسطياً من أجل إتمام مراحل الإنتاج. هذا الإنتاج يعتمد بعد تحديد نوع الفيروس وتركيبته على استخراج عيّنة منه ثمّ زرعها في بيضة دجاجة ملقّحة. هذا الأسلوب الذي يعتبره البعض بدائياً هو الوحيد المتوافر من أجل تأمين الكميّات الكافية من المستضدات بهدف إنتاج اللقاحات. يبلغ عدد الشركات المنتجة للقاحات في العالم عشرين، من بينها نوفارتيس وسانوفي أفنتيس وغلاكسو ولكام وغيرها. وقد اتصلت مؤسسة الصحة العالمية في أواخر الأسبوع المنصرم بسانوفي الفرنسية ونوفارتيس السويسرية من أجل حثّّهما على البدء بالتحضير لإنتاج لقاح لفيروس H1N1 ما إن تُحدّد تركيبة الفيروس. من جهة ثانية، أعلنت “لا روش» السويسرية المصنّعة لـ«تاميفلو» الدواء الذي أثبت فعاليته في علاج الإصابة بهذه الإنفلوانزا، أنها وفّرت ثلاثة ملايين وحدة من هذا الدواء. وأرسلت «غلاكسو سميث كلاين» البريطانية مئة ألف علبة من الدواء الثاني المعالج لهذه الإنفلوانزا الريلينزا إلى المكسيك. كما أعلنت الشركة أنها تبذل جهدها من أجل زيادة إنتاجها من هذا الدواء.
ستواجه المختبرات صعوبة بالغة في إنتاج كمّيات كافية من اللقاح مع توافر كميّة محدودة من المستضدات. لكن غلاكسو البريطانية التي سبق أن أنتجت لقاحاً لإنفلوانزا الطيور عبر استخدام مساعد بديل سمح لها باستخدام كمّيات أقل من المستضدات، أعلنت أنّ طاقم مختبراتها يعمل على استنباط مادة مشابهة من أجل لقاح إنفلوانزا الخنازير. لكن الشركات على اختلافها أعلنت أنه مع اضطرارها إلى تركيز جهودها على إنتاج هذا اللقاح، سيكون ذلك على حساب إنتاجية اللقاحات الموسمية، وهذا الأمر يحمل في طياته مخاطر كبيرة على صحّة من يعتمدون على هذه اللقاحات بسبب ضعف جهاز مناعتهم لأسباب عديدة.