صور ــ آمال خليلقبل عام، شارك جلال (27 عاماً) في صنع حرب أيار. امتثل لأوامر حزبه وامتشق سلاحه وغادر صور المحايدة حيث يقيم، إلى ميدان بيروت الغاضبة. حينها كان عليه أن ينتصر لمقاومته وعقيدته السياسية والوطنية، لا لطائفته، لأنّه فلسطيني. لكنّه يقرّ بأنّ انتقاماً خاصاً به كان يدفعه إلى ضرب الخصوم، إذ قبل أسبوع من حلول السابع من أيار، قامت «عناصر معادية» بتوقيفه أثناء مروره في منطقة «غير صديقة» وعمدت إلى ضربه وتقييده وإهانته أمام زوجته وطفلتيه ونزعت الشعارات الحزبية والدينية من على زجاج سيارته وهددته ليمتنع عن المرور في المنطقة مرة أخرى.
انتصر جلال في حربه ضد بعض اللبنانيين في السابع من أيار الماضي، لكنّ «شعوراً ذاتياً عارماً بالهزيمة» يجعله في السابع من أيار الحالي ينتفض لرفضه، ويقف للمرة الأولى على خشبة المسرح مشاركاً في مسرحية «نزهة في ميدان معركة»، للطالب في قسم الإخراج والتمثيل في الجامعة اللبنانية قاسم اسطمبولي. وافق إسطمبولي على طلب جلال خوض تجربة التمثيل: «لا للتمثيل بذاته بل رفضاً لما يمثله السابع من أيار». في المسرحية يؤدي جلال، وهو سائق «فان» عمومي على خط بيروت ـــــ صور، دور الممرض الذي يسعف المتقاتلين والمدنيين في ميادين الحرب أو يجمع جثثهم وينقلها إلى المشرحة. يشعر جلال بالخيبة بسبب اضطراره إلى المشاركة في أحداث أيار التي يرفض تكرارها «لأجل مستقبل هانئ لطفلتيه اللتين يحق لهما العيش في وطن مستقر».
أما قاسم (22 عاماً) فقد اختار سرد قصة الحروب الأهلية التي تتشابه فصولها في لبنان والعالم، من خلال مسرحية تستند إلى الكوميديا السوداء «عبرة لنفسه وللشباب الذين يمثّلون وقود حروب الزعماء والطوائف والمصالح، مقاتلين ومقتولين». المسرحية مقتبسة من رواية «نزهة في ميدان معركة» للكاتب الإسباني فرناندو آربال، كتبها عام 1952 عن الحرب الأهلية في وطنه.
في المسرحية، يتحرك الميليشياوي زابو ووالداه وجندي الأعداء زيبو ومسعفان، لساعة، بين الدشم وأكياس الرمل وخطوط التماس والأسلاك الشائكة بطريقة عبثية «ليبرهنوا أنّهم متشابهون: طيّبون وأوادم وضحايا استغلالهم وسيلة لغايات مشبوهة»، يقول قاسم، لافتاً إلى أنّه تعمّد اختيار «شخصيات من الناس لتأدية الأدوار وإيصال الهدف بصورة أصدق». الممثل الذي يؤدي دور والد زابو هو سائق فان عمومي في موقف البص، أميّ، متزوج ولديه خمسة أولاد، ويقيم في البرج الشمالي ولا يعرف له اسم، يشتهر بلقبه، «الدوس» (34 عاماً). أما الممثلة التي تؤدي دور الوالدة فهي عفاف القوتلي (45 عاماً) تدرس فنون الرسم في الجامعة اللبنانية وتقيم في الطريق الجديدة. منذ أكثر من شهرين والممثلون المبتدئون يتدربون ساعات في مسرح الجامعة في بيروت أو في منزل قاسم في البص «إيماناً بجدوى رفض الصراعات الأهلية في الشوارع والنفوس» كما يجمعون.
لهذه الأسباب، اختارت إدارة معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية المسرحية لتمثّلها في مهرجان الفرق التمثيلية التابعة للجامعات في لبنان، برعاية وزارة الثقافة في قصر الأونيسكو، يوم السابع من أيار الحالي.