تعاني بعض الأمهات من الفوضى التي يُحدثها الأولاد في المنزل، فهم لا يرتبون أشياءهم الخاصة، ويرمونها في كل الاتجاهات. يتعامل الأهل والأقارب عادةً مع الطفل الفوضوي باعتباره حالة خاصة أو استثنائية، قد ينفرون منه، ويرون أنه سيعجز عندما يكبر عن ترتيب أمور حياته. وراء كل طفل فوضوي حالة خاصة تستوجب العلاج، وقد يكون الأهل السبب الأول في سلوك طفلهم

زينب زعيتر
لم تتقبّل ريما د. والدة فرح (٧ أعوام) الفوضى التي تحدثها ابنتها يومياًً في المنزل، وتقول «لا ترتب أغراضها المدرسية، ونجد لُعبها وملابسها في كل زاوية من المنزل. هي كثيرة الحركة، وحركتها الزائدة عبارة عن سلسلة من الأعمال الفوضوية، تقفز على أثاث المنزل، وتخّرب محتوياته، تلعب بلُعب أخيها وأغراضه المدرسية وترميها في أي غرفة. طفلتي مدللة جداً وأنا لا أجبرها على فعل أي شيء، أما بالنسبة إلى أغراضها المبعثرة، فأُرتّبها بنفسي باستمرار بعدما فشلت في محاولة جعلها طفلة مرتبة».
دلال أيضاً تشكو من تصرفات ابنها جاد (9 أعوام)، فهو «يرمي أغراضه في كل مكان، ولا يهتم بترتيبها، فترى دفاتره في غرفة الجلوس وحقيبة المدرسة في المطبخ... حتّى إنّه ينسى أين يضعها». تؤكد دلال أن جاد حالة استثنائية بين أخويه، مع أنّها تتعامل مع أطفالها الثلاثة بأسلوب هادىء وليّن. «أتجنّب من خلاله الضرب والصراخ والعصبية، ولا أعتمد العقاب أبداً»، كما تقول. وتضيف: «حاولت دائماً أن أغيّر من عادته السيئة الفوضوية، بأن أشجعه على التصرف مثل أخويه، أو أن أنبّهه إلى أهمية الترتيب ليتفادى البحث عن أغراضه الضائعة، لكنني فشلت».
تعرّف المعالجة النفسية الدكتورة بيلا عون الطفل الفوضوي «بأنّه الطفل الذي يكون فوضوياً من الداخل، وهذا يعني أنّ لديه عارضاً نفسياً، يتمثّل في مجموعة من الاضطربات الداخلية والخارجية التي يعانيها الطفل كالقلق، والحركة الزائدة، وصراع مع ما يعيشه في العائلة أو المدرسة، فتنعكس هذه العوامل مجموعة من ردَّات الفعل السلبية، وتنتج طفلاً غير قادر على التنظيم والترتيب. وهذا العارض بمثابة إشارة إلى الأهل ليتنبّهوا إلى الحالة التي يعيشها الولد».
تعدِّد عون أسباباً أخرى تؤدي إلى الفوضوية، منها: «عدم ثقة الأهل بالطفل، وعدم السماح له باستقلالية معينة في التصرف، وتهميش شخصيته ما يؤدي إلى الفوضوية. قد تجبر الأم طفلها على تصرف معين كأن تطلب منه تنظيف أسنانه أو تناول الغذاء، في الوقت الذي تختاره هي فيما هو لا يريد أن يقوم به. وتؤثّر وضعية الطفل ومكانته في المنزل على حالته النفسية، فقد يعتبر الطفل نفسه منبوذاً وأهله لا يستمعون إليه، فيترجم غضبه بالفوضى التي يحدثها. ويعتبر النظام الخاص المتّبع في كل منزل من الأسباب المؤدية إلى الفوضوية، وإذا كانت الفوضى تسود في منزل الأهل، فمن المنطقي جداً أن يكون الطفل فوضوياً».
وتشدد عون على أن «النسيان سببه الفوضوية، ومن الممكن أن تزداد هذه العوارض صعوبةً إذا لم تُعالج الحالة الفوضوية أولاً. العلاج يكمن في نظام خاص يتّبعه الأهل، ويساعد على تحقيق استقلالية ومكانة خاصة للطفل في المنزل، كأن تدع الأم الطفل يختار ملابسه بنفسه، وتحمّله شيئاً من المسؤولية في المنزل، وتلعب معه. هذه الوسائل وغيرها من شأنها أن تخلق إحساساً بالترابط الحسي بين الطفل والأهل»؟
نهاد والدة أحمد ( ٨ أعوام)، تتصرف مع طفلها الفوضوي بطريقتها الخاصة، لجعله يحترم نظام الترتيب في منزلها. تخبرنا: «أعاقبه باستمرار إذا وجدت غرفته غير مرتبة، وأكون قاسية معه جداً فأحرمه مثلاً اللعب مع رفاقه لمدة أسبوع. فينصاع للأوامر، وبعد فترة قصيرة يعود إلى فوضويته. لا يتجاوب معي أبداً عندما أكون طيبة معه، وأُرتّب أغراضه باستمرار. ومع أنّ القسوة لا تحقق نجاحاً كبيراً فإنّها أفضل بكثير من المسايرة».
هنا تلفت عون إلى أن «الفوضوية التي يعيشها الطفل في المنزل مشكلة نفسية يجب على الأهل القبول والاعتراف بها، والبحث عن العارض الذي أوصله إلى الفوضوية، قبل أن يعاقبوه». وتضيف: «العقاب يزيد من صعوبة الحالة، وحرمانه اللعب أو النزهات أو المصروف لا ينفع. والنتيجة التي يتوصل إليها الأهل بعد العقاب نتيجة مؤقتة، سرعان ما يزول مفعولها، ويعود الطفل إلى فوضويته المعتادة. هذا الوضع الذي يقوم على العقاب من شأنّه أن يخلق مراهقاً أو رجلاً ضعيف الشخصية، اتكالياً، لا يُنهي مهمّة إلّا بعد أن يُعاقب على تصرف ما».
العلاج الأمثل بالنسبة إلأى عون «هو التواصل المستمر مع الطفل الفوضوي، والتكلّم معه وسماعه واللعب معه، وجعله قادراً على التعبير عن نفسه بكل حرية، وتنفيس غضبه باللعب والكتابة. ويجب أن يكون النظام المتّبع في المنزل بعيداً عن العنف والضرب». وتنصح عون الأم «بأن تكون إلى جانب طفلها عند ترتيب أغراضه، وعلى الأهل أن يتناسوا المثالية في النظام والتشدّد والمبالغة في الحفاظ على نظام البيت».


الحق ع البابا؟

النظام العائلي يحدّده الأب والأم، وتهميش دور الأب بحسب بيلا عون «من أهم الأسباب المؤدية إلى الفوضوية عند الطفل، فالأب رمز القانون والسلطة في المنزل. وهذا لا يلغي حقيقة مفادها أنّ أدوار الأب والأم يجب أن تكون متناسقة، بمعنى أنّ القرار لا يصدر عن واحد منهما». تركّز المعالجة النفسية ألين عساف على دور الأب. «الولد الفوضوي غير معتاد الحدود التي يضعها الأهل في المنزل، أي أوقات الطعام، اللعب، الخروج. وقانون المنزل يجب أن يضعه الأب. وإذا كانت بعض الأمهات يمنعن الأب من التعاطي مع الأطفال في المنزل، فيجب في هذه الحالة أن يكون تعاطي الأب رمزياً، بمعنى أن يصدر هو القانون، ويحدِّد نظام الترتيب. هذا القانون من شأنه أن يخلق الانضباط داخل الأسرة، والانضباط يعطي الولد الشعور بأنَّ هناك من يحميه، ويهتمّ به ويرعاه»