فادية حطيطإشارات كثيرة تدل على توسّع أدب الأطفال وتطوره في لبنان بدرجة تفوق ربما مجالات إبداعية عديدة أخرى. أما لجهة التوسّع، فالملاحظ أن الكتّاب يتزايدون بأعداد كبيرة، والكتابات الصادرة للأطفال تملأ الرفوف إلى حدّ لم يكن مألوفاً في السابق. وأما لجهة التطور، فمن الإشارات المهمة نرصد تغيّر الاتجاه من كتابة تقليدية تتميز بمواصفات محددة. أولاً كونها كتابة «تربوية»، بمعنى أنها تحمل رسالة توجيهية تتضمن هدف تسويق أفكار البالغين وأحلامهم وأخلاقهم للأطفال الصغار، مع الإشارة إلى أن التشديد في هذه الرسالة هو على مصلحة الذكور من البالغين ومن الأطفال. ثانياً إنها كتابة تمجّد الأمر الواقع بحجة الخوف على الأطفال وحمايتهم من كل اضطراب يمكن أن ينشأ عن التغيير أو التخيّل. ثالثاً هي كتابة تؤبّد الأمر الواقع من خلال مجموعة منمطات (الأم حنونة وخائفة وضعيفة ومحتاجة إلى أبنائها الذكور، والأب حام وقدير ومتطلّب وداعم لبناته الضعيفات، والصبيان مشاريع أبطال دائمين، والبنات مواضيع حب وتعلق وحماية. البالغ صاحب معرفة وحكمة، والصغير مطيع لا يكلّ عن طلب التعلّم من الكبار). وبالطبع فإن هذه الكتابة التقليدية تستهدف المحافظة على القيم والثقافة السائدتين، ولذا لا تعطي الكلام للطفل (الحوارات التي يخوضها الطفل في القصص قليلة، وأفعاله ذات الثقل الروائي قليلة أيضاً) وهي أيضاً لا تتفق كثيراً مع الميل النقدي لدى الطفل.
أما الإشارات إلى التجديد، فمنها أولاً دخول الشباب إلى مجال التأليف والرسم للأطفال. والكثير من هؤلاء هم اليوم في الثلاثين، إذا لم يكن أقل. ومع أن الإبداع لا علاقة له بالعمر، إلا أن وجود أصوات جديدة شابة من شأنه أن يخفف النزعة التربوية المغالية. ونحن نعرف أن خوف الأمهات ووجل الجدّات (والعديد من مؤلّفات القصص من الأمهات والجدّات) هما أهون السبل للتضييق على الأطفال. ثانياً، وهذا ما أجده في الواقع مثيراً ويستحق دراسة جدية، هو وجود ما يمكن تسميته تيارات متنوعة آخذة بالتبلور تدريجاً. منها الكتابة الطفلية، وفيها يتماهى المؤلف مع بطله الصغير، فيضع نفسه مكانه ويطلق العنان لخياله الطفولي، ومنها الكتابة البالغة التي ترفع أبطال القصص إلى مصاف المؤلفين وتجعلهم متساوين معهم في النضوج والتفكير والتشارك في قضايا المجتمع. وهناك تيار آخر تجري الكتابة فيه الضفاف، فتتوجه إلى الصغار والكبار معاً أو تجمع ما بين الشعر والنثر على السواء. وبالطبع ما زال التوجه التربوي سائداً، ولكنه يتخذ أشكالاً أكثر جاذبية. ولا يمكن هنا إلا الإشارة إلى فضل الرسم والتشكيل في إعطاء أدب الأطفال هذا الطابع من الحداثة والتجدد. لا بل يرى البعض أن الثقل الحقيقي للتجديد يقع هنا لا في النص اللغوي.
مهما يكن من أمر، فإن هذه الكتب الجديدة تحاول ألا تقفز فوق الأطفال، وكتَّابها يكتبون أولاً لأنفسهم. إنهم مأخوذون بفكرة، ويعبّرون عنها بالشكل الطفولي الذي يرونه ملائماً للفكرة. إنها كتابة لديها ما تقدمه لصاحبها كما لجمهورها.