نارمين الحر*إن عدد الذين تنطبق عليهم صفة «عمّال لبنانيين» يصل إلى مليون و220 ألفاً و699 عاملاً، بحسب إحصاءات إدارة الإحصاء المركزي لعام 2007 (الأخبار، 30 نيسان). لكن هذه الإحصاءات ليست دقيقة، بحكم إهمالها شريحة من عاملي لبنان وعاملاته: عمّال الجنس. تتعذّر الإحصاءات الوطنية عن المهنة الأقدم في التاريخ، تليها مهنة السياسة. ورغم ذلك، لا يمكن للرائي إلا أن يلاحظ مكانتها في بلاد الأرز والسياحة. وامتهان الجنس لا يمارس كخدمة سياحية تدر العظيم من أموال بلاد الذهب الأسود فقط، بل هي منتشرة في الأحياء والزواريب وبجانب جبال «الزبالة»، للشبع والإشباع الوطني أيضاً. من هنا وجب حماية حقوق ممتهني الجنس من الابتزاز والعنف والاتجار، وحماية المستهلكين من مفاعيل الخدمات الجنسية، وفي مقدمتها الأمراض المنقولة جنسياً.
الأمر ليس معقّداً، ولا يحتمل الكثير من الجهد الفكري أو المساءلة أو المناورة وصولاً إلى الإدانة قولاً وفعلاً. وأنطلق من المعتقدات الآتية:
1ــــ الإنسان حر في اختياراته، ومن ضمها المهنية. وأي اختيار لا ينقض إنسانيته.
2ــــ لا يحق لي، كإنسانة، الحكم على خيارات الآخرين، لا سيما إن كان بإمكاني أن أختار الانخراط أو عدمه فيها.
3ــــ يحق للإنسان عدم التعرض للعنف الجسدي والنفسي والاقتصادي.
4ــــ يحق للإنسان عدم الاستغلال الاقتصادي والجسدي.
5ــــ الاتجار بالإنسان جريمة.
6ــــ المرأة هي إنسان كامل. الرجل هو إنسان كامل.
أنطلق من هذه المعتقدات، قبل توثيقها وبعده في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) أو في شرعة الحقوق المدنية والسياسية (1966)، وقبل توقيع لبنان وبعده عليهما (على التوالي 1948 و1973)، لأؤكد أحقية عمّال الجنس بالقوانين الحمائية وبحكم هذه القوانين.
أنا لا أدافع عن مهنة البغاء أو أمقتها، لكنها حقيقة موجودة، يمارسها أناس مثلنا، سواء أدانتها مجتمعاتنا أو اعترفت بها. لذا اعترافاً منا بالحقوق الحمائية التي يستحقها ممارسو البغاء بحكم إنسانيتهم، وجب، بنظري، حمايتهم دون الحكم عليهم. ولدى عمال الجنس حقوق في العديد من البلدان، لكني لا أريد الخوض في ذلك لأنه ليس بمعيار.
ماذا بعد؟ للذين يقولون إن المرأة أو الرجل تجبر أو يجبر على ممارسة البغاء، أقول ربما، لكن أيضاً يمارس العديد من الشابات والشبان مهناً تحت وطأة الضغط كالمحاماة مثلاً أو الطب. لكنّ المؤسف أن بنات الهوى وأبناءه يعانون الأمرّين من عنف جسدي ونفسي ويتعرضون للابتزاز مراراً. هذا عدا الاتجار بهم.
والسبب ليس فعل البغاء بحد ذاته بل عدم حماية الدولة لحقوقهم الإنسانية. فبحكم القوانين، قد لا يستطيع أي قوّاد أن يستغل بنات الهوى أو أن يكسب من عرق جبينهنّ، أو أن يمارس أي سلطة عليهن. بالأخص لا يستطيع إجبار الفتيات والفتيان على ممارسة ما لا يريدونه. من جهة موازية، فإنّ من مسؤولية القوانين حماية «الزبائن» من خلال الاحتكام إلى معايير صحية محددة كاستعمال الواقي مثلاً. عندما ترى المهنة النور، يذهب العفن المتأصل فيها.
الطريف أنه من نتائج قوننة البغاء الحد منه، أي لا «يدخل المهنة» إلا من يختار ذلك سبيلاً.
وللمتفجعين على أخلاقياتنا، أقول إنه ربما من الأجدى الدفع نحو خطط اقتصادية موفقة تحدّ، ولو لمرة، من الفقر الذي قد يدفع الأفراد إلى ممارسة ما لا يريدونه، ومن ضمنه على سبيل المثال لا الحصر البغاء. بل الأكيد أن الانفتاح الجنسي، بكل ما في ذلك من نقاء وحب، أن يحد من ممارسة الدعارة.
أعرف أن هذا مطلب مبكر على بلد طائفي واستزلامي وأبويّ فاسد وتعيس، حيث لا يحصل أي عامل على حقوقه الإنسانية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وفيما تدان فيه الحرية الجنسية وفق المادة 534 وتقتل المرأة من أجل الشرف ولا يحق لها حتى الحماية من العنف الأسري. أعرف أن الوصول إلى المطلب شبه معجزة، لكن ماذا عن الاعتراف بأحقية هذا المطلب، ضمن المطالب العلمانية العمّالية؟ وماذا لو نعيّدهم في أسبوع عيد العمّال؟
* ناشطة لبنانيّة