اختتم أمس أسبوع المطالعة. بهذه المناسبة، تتابع «شباب الأخبار» إضاءتها على المشاريع المتعلقة بتعزيز المطالعة، ومنها «كوتوباص» الذي تتولاه منذ سنة جمعية السبيل في مكتبة الباشورة
هاني نعيم
في العادة، يقوم الطلاب بزيارة مكتبة الباشورة للاطلاع على الكتب والقصص وللمشاركة في نشاطات المكتبة العامة. إلا أن جمعية السبيل التي تدير المكتبة قررت منذ تموز الماضي، القيام بمشوار معاكس ونقل المكتبة إلى المدارس الرسمية. هكذا ولد «الكوتوباص»، مكتبة جوّالة، عبارة عن باص مجهّز برفوف مكتبيّة، يتّسع داخله لأشخاص عديدين في الوقت ذاته.
يضم الكوتوباص نحو ألفي كتاب باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، تلبّي احتياجات القرّاء ما بين 3 و18 سنة. وتتنوّع ما بين قصص مصوّرة، قصص للصغار والمراهقين والكبار، كتب أدبية وسياسيّة وعلمية، وكتب طبخ وآثار وتعريف بالأديان، بالإضافة إلى قسم خاص بالمجلات الشبابيّة.
منذ بداية العام الدراسي، يزور «الكوتوباص» 7 مدارس رسميّة موزّعة بين الضاحية الجنوبية وطريق الجديدة ومجمع المدارس في بئر حسن، كما يتعاون مع 3 جمعيات في مخيم برج البراجنة. اختيرت المدارس التي توجه المشروع إليها بناءً على معايير محددة هي «الاقتراب من الأحياء الشعبيّة، غياب المكتبات العامة داخل المدارس ومحيطها، وعدد طلاب المدرسة المرتفع» كما تشرح مسؤولة المشروع، مريم بلحص التي لا تزال تذكر استغراب الطلاب، عند زيارة الكوتوباص الأولى، من فكرة السماح لهم باصطحاب الكتب معهم إلى منازلهم، ما جعلها تدرك فداحة الغياب شبه التام لثقافة المكتبة العامة لدى طلاب المدرسة الرسمية.
يعمل «الكوتوباص» على مدار الأيام. يزور المدارس المذكورة مرة كل أسبوعين، باستثناء مدرسة برج البراجنة الثانية التي يزورها مرتين في الأسبوعين، وذلك بسبب ضخامة عدد طلابها الذي يصل إلى 800 طالب. تبدأ الزيارة عند التاسعة صباحاً، وتمتد حتى انتهاء الدوام، يستقبل خلالها الكوتوباص 4 صفوف، مخصصاً ساعة لكل صف. هؤلاء الطلاب، الذين تفاجأوا قبل من فكرة أخذ الكتاب إلى بيتهم، تحوّل الكوتوباص إلى جزء من يوميّاتهم المدرسيّة، ينتظرونه بشغف ليستعيروا منه كتباً أخرى، حسب ما تروي مريم، نقلاً عن أساتذتهم.
في مدرسة برج البراجنة الثانية الرسمية، يقف طلاب الصف السادس، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة، بالدور، للصعود إلى الكوتوباص. منهم من يرد كتاباً قرأه ليستعير آخر، ومنهم من «يبحبش» كثيراً بين الكتب قبل أن يحدد خياره.
في تلك الرحلة الميدانية، بدا جلياً أن الفتيات أكثر اهتماماً بالمكتبة، إذ فضّل معظم الفتيان لعب كرة القدم في ذلك الوقت.
وبدا جلياً أيضاً أن قصص «ساندريلا» و»أميرة الثلج» هي الأكثر طلباً وقراءة لدى الصف السادس، بينما انحصر جمهور «الساحرة الشريرة» بين طلاب الصف الأول. إلا أن الطلاب لا ينكبّون على استعارة القصص حصراً. فالطالب علي عبد الله قد استعار نحو 3 كتب تتناول المسائل البيئية والطبيعة، «لأني أحب التعرف على محيطي وبيئتي» كما يشرح، بينما عيناه لا تزالان تجولان على الأرفف بحثاً عن المزيد. أما زميله حسين أيوب فقد استعار كتاباً عن جسد الإنسان، ولكنّه سرعان ما ردّه مفضلاً الذهاب للعب كرة القدم مبرراً: «عندي بالبيت موسوعة كتب كبيرة»، فيما علّقت صديقته ضاحكة: «بحب زوره بسبب هيدي الموسوعة». أما ملاك خريس التي تنوي أن «أصبح دكتورة عندما أكبر»، فهي تستعير الكتب الطبيّة لتتعلّم منها.
بين هؤلاء الطلاب من لم يكن يهوى المطالعة، إلا أن المكتبة شجعته على استعارة كتاب، مثل إيمان رباب التي استعارت كتاب شعر لنزار قباني. ومنهم أيضاً من أصبحت المطالعة سلوكاً دائماً لديه، بعد زيارة الكوتوباص، مثل فاطمة دغيم.
لا يخفي الطلاب تفضيلهم الكوتوباص على مكتبة المدرسة التي أغلقت العام الماضي، حيث كان الأستاذ يفرض عليهم ما يجب قراءته، ونادراً ما يسمح لهم بأخذ الكتاب للبيت، «انطلاقاً من الافتراض الخاطئ بأن الطلاب لا يملكون المسؤولية الكافية في الحفاظ على الكتاب»، كما تقول مريم. في هذا السياق، قد تختصر الطالبة كوثر فنيش موقف زملائها بهذا الشأن، هامسة، كي لا يسمعها أحد «بصراحة، هيدا أحلى .. هون عنا خيارات أوسع».
وتروي مريم: «في الصف الواحد، بالحد الأقصى، طالب أو ثلاثة لا يستعيرون كتاباً»، وتقيّم هذه النسبة معتبرة أن «هذا يدل على نجاح المهمّة». أما عن طلاب المدارس الأخرى، فتقول «يأتي أحياناً من يطلب كتباً عن الحضارات أو حتى كتباً سياسية، يناقشون بعد قراءتها بعض الأفكار معنا، ما يخلق جواً من التفاعل المعرفي في الأوساط الطلابية».
أدى نجاح المشروع بالقيمين إلى البحث في تطويره، كما يشرح منسّق المكتبات العامة في جمعيّة السبيل، علي صباغ، قائلاً «أصبح للكوتوباص حوالى 6000 كتاب، بينما يُجهّز اليوم كوتوباص ثانٍ سيعمل في الضواحي الشماليّة لبيروت. فنحن ننوي التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني في الوسط الفلسطيني ومع اللاجئين العراقيين أساساً لينالوا حظهم من زيارات المكتبتين الجوالتين أثناء فترة الصيف».
أما الطلاب الذين أحبوا فكرة «الكتاب فيزوروننا في المدرسة»، فأمنياتهم كثيرة وكبيرة، عبّرت عنها شيراز قاروط بعفويّة قائلة «يا ريت يزورنا بالحي عنّا».


نجاح تجربة الكوتوباص بالأرقام

يستفيد من خدمات الكوتوباص شهرياً 1200 طالب، يتداولون في ما بينهم ما يقارب 600 كتاب من الكتب التي يحتوي عليها الكوتوباص وتصل بمجموعها إلى ألفي كتاب. إلا أن العناوين تتبدل من وقت لآخر، فالمشروع يمتلك مستودعاً يحوي 4000 كتاب في المجمل. وبينما تصل نسبة الذين يستعيرون الكتب إلى 90% من مجمل الطلاب الذين يتوجه الكوتوباص إليهم، ترتفع نسبة إرجاع الكتاب سليماً إلى 99.9%.