«البارد»: الصحّة ليست بخير
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
لا يكاد يمرّ يوم في مخيّم نهر البارد من دون إعلان حالة طوارئ صحّية. فأبناء المخيّم المتروكون لحالهم، يعانون واقعاً صحّياً صعباً، مردّه إلى تقاعس «الأونروا» والهيئات المعنيّة عن متابعة أحوال هؤلاء. ولعلّ الحادثة الأخيرة التي حصلت في المخيّم، تختصر هذه الحال المزرية. فمنذ شهر تقريباً، تعرّض شاب وزوجته لتسمّم غذائي. وبعد جولة من «اللف والدوران» على مستشفيات المناطق المجاورة، عادت سيارة الإسعاف بهما بعد خمس ساعات من التنقل بين مستشفى وآخر، إلى داخل المخيم، حيث عولجا في مستوصف الشفاء من ضمن الإمكانات المتاحة. هذه الحالة الصحية الطارئة التي تعرّض لها هذا الشاب وزوجته، هي واحدة من عشرات الحالات التي تتكرر يومياً في المخيم، «من دون أن يدفع ذلك المسؤولين في الأونروا إلى رفع مستوى الخدمات والتقديمات لمعالجة وضع صحي أقل ما يقال فيه إنّه متردٍّ جداً»، بحسب ما يقول مدير المستوصف الدكتور توفيق الأسعد. يرى الأسعد، وهو الطبيب الذي كان آخر المغادرين المخيّم أثناء أحداث عام 2007، وأول العائدين إليه، أنّ «تردي الوضع الصحي في المخيم يعود إلى عوامل عديدة، أكثرها بروزاً غياب مظاهر النظافة وسوء التغذية بسبب فقر الأهالي وتدني مداخيلهم، إضافة إلى سوء البنى التحتية من كهرباء وصرف صحي، وتلوّث الهواء والماء». ربّما يكون كلّ هذا الذي يحصل في أحياء البارد شبيهاً بأي حيّ شعبي آخر في منطقة فقيرة، ولكن ما يحصل في «البراكسات»، المستوعبات الحديدية التي ابتكرتها الأونروا، هو الكارثة بحدّ ذاتها. وفي هذا الإطار، يشير الأسعد إلى أنّ «أكثر الأشخاص تعرّضاً للأمراض، هم أهل البراكسات، فهؤلاء يعانون شتاءً برداً قارساً يؤثر على أجسادهم النحيلة، وخصوصاً المسنين والأطفال، وفي الصيف تتحول بيوتهم إلى أفران، فيصابون بارتفاع ضغط الدم والتقيؤ والربو وغيرها من الأمراض». وصف الأسعد للبراكسات أخفّ حدّة من وصف القاطنة هناك أم محمّد واكد. تصف أم محمد بيتها الذي لا يتعدى كونه غرفة واحدة يسكنها ثمانية أفراد، فلا تجد تعبيراً أفضل من «الجحيم». هو جحيم، مقارنة بالبيت «الذي كان لنا داخل الجزء القديم من المخيم، والذي تبلغ مساحته 250 متراً مربّعاً». اليوم، في هذا الجحيم، «لا نعيش وحدنا، عندنا جرذان وصراصير وثعابين.. ولا نرى الشمس». هذا ليس كل شيء، فخارج البراكسات والبيوت، كارثة أخرى تتمثل في غياب مظاهر النظافة العامة، التي لم تعد مألوفة داخل أزقة المخيم والممرات الفاصلة بين البراكسات. وقد أدى غياب هذه المظاهر إلى انتشار روائح كريهة وانتشار الأمراض.. ولا من يسأل، وإن اشتكى الأهالي، فلن يجدوا من يجيب «وخصوصاً الأونروا، التي تبرّر تقصيرها بتراجع الإمكانات لديها»، كما تلفت أم محمّد.