عرض فرع المعلومات، أمس، بعض الأجهزة الإسرائيلية التي ضبطها في حوزة الموقوفين بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، خلال الشهر الفائت. الأجهزة شديدة التعقيد، ولا يماثلها خطورة سوى ما يظهر تباعاً من اعترافات الموقوفين
حسن عليق
هي المرة الأولى التي يخرج فيها بعض ضباط فرع المعلومات إلى «الضوء». كانوا مزهوّين أمس بما حققوه خلال الأسابيع الماضية. فتفكيك شبكات يشتبه في تعاملها مع الاستخبارات الإسرائيلية فتح أمام الجهاز الأمني الأكثر إثارة للجدل في لبنان باباً للعمل الأمني، هو أكثر جدية وخطورة من الملفات التي تولاها سابقاً، ويتطلب جهداً وحذراً كبيرين. وبدا الحذر جلياً أمس في هروب الضباط من عيون الكاميرات التي أتت ضمن حشد الإعلاميين (اللبنانيين والأجانب) غير المسبوق من ناحية عدده، والذي كان أكبر من أن تتسع له تلك القاعة المرتبة، الواقعة في الطبقة الأولى من مبنى فرع المعلومات في الأشرفية. ودفع ازدحام الإعلاميين أحد الضباط للتدخل من أجل إقناع المصورين بالابتعاد عن الهدف الذي حضروا من أجله، أي الأجهزة المضبوطة مع المشتبه في تعاملهم مع الإسرائيليين؛ علماً بأن تنظيم اللقاءات الإعلامية في قوى الأمن الداخلي هو من مهمات شعبة العلاقات العامة التي كانت شبه غائبة أمس. قبيل الواحدة من بعد الظهر، كانت جميع الكاميرات قد وجّهت صوب المضبوطات التي أعطاها الإسرائيليون لعملائهم: كومبيوتر وأقرصة مدمجة وجهاز راديو ومسجّلة وعدد من شرائح الذاكرة الإلكترونية (USB) وبراد مياه وعلبة زيت محركات وخزانة خشبية صغيرة (ميني بار) وحقائب جلدية وعلّاقات مفاتيح. خلف المصورين، وقف أحد أفراد «المعلومات» وبدأ يشرح ماهية المضبوطات المعروضة، والتي أكّد أنها عيّنة فقط مما عثر عليه رجال الأمن. وقرب الأجهزة المذكورة وقف رجل أمن مقنع يقلّب الأجهزة المذكورة، مفصّلاً ما يتحدّث عنه زميله.
وخلال اللقاء مع الإعلاميين، أمس، كشف فرع المعلومات أن العميد المتقاعد الموقوف أديب ع. كان قد استخدم مكتب الخدمات العامة (الذي افتتحه بناءً على طلب مشغليه الإسرائيليين) لاستقبال طلبات توظيف من داخل لبنان وسوريا. وكان الموقوف يتلقى طلبات التشغيل مستخدماً عنواناً بريدياً سجله بواسطة وثيقة هوية مزورة (حصل عليها أيضاً من الإسرائيليين). وأضاف الموقوف أنه سلّم مئات من الطلبات لمشغليه الإسرائيليين، فيما بدا أنه محاولة منهم لتحديد أشخاص كأهداف للتجنيد. وفضلاً عن ذلك، بيّنت التحقيقات أن عدداً من الموقوفين كانوا قد زوّدوا الإسرائيليين بكم كبير من المعلومات عن مبانٍ ومنشآت عسكرية ومدنية ومصانع تعرضت للتدمير خلال عدوان تموز 2006.
أما الأجهزة التي عرضها فرع المعلومات أمس، فتُصنّف ضمن 3 فئات: أجهزة الإرسال وأجهزة التخزين والمخابئ السرية. في الفئة الأولى، يوجد جهاز على شكل مسجّلة عادية، من التي يمكن العثور عليها في معظم المنازل. ولقراءة الرسالة التي يبعثها الإسرائيليون لعميلهم، يلجأ الأخير إلى جهاز آخر موجود في مخبأ سري داخل الخزانة الخشبية (ميني بار). وفي الأخير، شاشة تمكّن مستخدمها من قراءة الرسالة باللغة العربية. وبين أجهزة الاتصال بواسطة الأقمار الاصطناعية واحد مماثل لأجهزة بث خدمة الإنترنت اللاسلكية (wireless) التي تستخدم داخل المنازل والمؤسسات. وبعد وصل الجهاز المذكور بكومبيوتر عادي، يظهر الطلب الإسرائيلي المتعلق عادة بتحديد مكان سكن شخص أو تحديد إحداثيات موقع جغرافي. وبعد تنفيذ الطلبات، يصل العميل شريحة تخزين (USB) زوّده بها الإسرائيليون بالكومبيوتر، ويطّلع على خريطة مشفّرة موجودة فيها، والتي لا يمكن اكتشاف وجودها إلا بعد اتباع تعليمات خطية أعطاها الإسرائيليون لعملائهم. بعد ذلك، يفتح العميل الخريطة ويحدد ما طلب منه ويعيد وصل جهاز الإرسال بالكومبيوتر لكي يبعث لمشغليه نتائج عمله.
وفضلاً عما ذكر، عرض فرع المعلومات جهازاً يستخدم لتحديد أهداف جغرافية تعجز طائرات الاستطلاع والأقمار الاصطناعية عن تحديدها بدقة. وقد خُبئ الجهاز في غطاء وعاء لحفظ المياه المبردة، وهو يرسل الإحداثيات مباشرة بواسطة الأقمار الاصطناعية. أما المخابئ السرية، فهي موجودة داخل حقائب جلدية وعلاقات مفاتيح وعلبة لزيت المحركات.
وفي تعليق إسرائيلي نادر منذ بدء حملة توقيف المشتبه فيهم بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، ذكرت صحيفة هآرتس أن مصادر لبنانية أوضحت لها، بأن نجاح الأجهزة الأمنية اللبنانية في اعتقال عملاء لإسرائيل، يعود إلى تعزيز التعاون بين هذه الأجهزة، وأن الفضل في ذلك يعود إلى التمويل والتدريب الأميركيين. وأضافت المصادر، بحسب الصحيفة، أن فرع المعلومات سرّع في الفترة الأخيرة نشاطاته للكشف عن شبكات التجسس، في محاولة لإضفاء طابع لبناني عام على عمله.