فادية حطيطقرأت الأسبوع الماضي في هذه الصفحة مقالة لرندة غندورة عن كيفية محاربة التجاعيد، بدأتها بالشكل الآتي: «يصيبك الأرق من مجرد التفكير في التجاعيد التي ستملأ وجهك مع التقدم في السنّ، وخاصة في منطقة ما حول العينين والشفاه والجبين». بعدما أكملت المقالة، تصورتُ أن كل الشابات اللواتي سيقرأنها سيكنّ مقتنعات بأنهن سيسقطن غداً في أتون ذلك الأرق، الذي يبدو من كلام المقالة نفسها أنه مخصص للإناث فقط. وأود هنا أن أسجل، رأفةً بهؤلاء، أني أعرف العديد من النساء اللواتي تقدم بهنّ العمر ولم يشعرن بمثل هذا الأرق. وإن أصابهن مثله فهن لا يرددنَه إلى التجاعيد التي أخذت تملأ وجوههن منذ أمد ليس بقريب.
هؤلاء النساء، الخمسينيات والأكبر سناً أيضاً، حين ينظرن في المرآة يحببن ما يرتسم أمامهن من وجوه متآلفة مع تجاعيدها. تلك التجاعيد التي تأخذ شكل الخطوط الناعمة في البدء ثم تنحفر تدريجياً في الوجه، وخصوصاً على الجبين ثم حول العينين ثم حول الفم. بالتأكيد لدى هؤلاء لم تأت تلك التجاعيد فجأة، بل كبرت تدريجياً كما لو أنها رافقت صاحباتها. تخبرني إحداهن أنها تتذكر جيداً حين بدأت تلك التجاعيد تجتاح جبينها، وكيف صار شغلها الشاغل أن تنظر في جبين الناس، هذا كثير الخطوط وذاك أقل وذلك أملس، ثم مع الوقت نسيت الأمر تماماً. وتتذكر كذلك كيف بدأت جفونها تهبط، فكانت لشدة إحساسها بها تكاد تمد يدها لتكبس زراً يوقف حركتها، ثم بعد فترة وجيزة تلاحظ أن جعدة صغيرة قد قامت. ثم كيف صارت اليدان في وقت من الأوقات هي الموضوع الذي يأخذ بتلابيب ذهنها. تنظر إلى يدَيها وتتساءل: هل ولدت بيدين تنفر عروقهما على هذا النحو؟ ثم أيضاً صارت أيدي الناس موضوع تلصصها الدائم. وهي تروي كيف انتبهت إلى يدي زميلتها التي تواظب على عمليات التجميل سراً ولكن الجميع يعرف ذلك من جمود وجهها، ومن ضحكتها التي إذا لم تسمع صوتها فلن تعرف أنها ضحكت بسبب تصلب الجلد. ولهذا كانت متأكدة من أن هذه الزميلة تبدو أصغر من عمرها مع أنها لم تكن تعرفها منذ وقت بعيد ولا تعرف عمرها حالياً. فلعمليات التجميل مفعول عكسي، تجعلك تفترض أن الشخص كان حكماً متقدماً في العمر حتى اضطر إلى إجرائها. أما مفاجأتها فكانت حينما حرّكت تلك الزميلة، اللطيفة والأنيقة، يديها فوق الطاولة ثم وضعتهما على خديها... يدان عجوزتان لوجه شاب ومشدود.
إذاً، مقابل أولئك النساء اللواتي يصيبهن الأرق من التجاعيد ويحاولن إخفاءها بكل الطرق الممكنة، هنالك نساء أخريات يسري العمر على وجوههن هانئاً. أما الشابة العشرينية (والشاب أيضاً) التي تتساءل في أي المعسكرين ستكون يوماً، فعليها أن تتخيل نفسها بأنها ستقف يوماً ما أمام مرآتها وستقول «مرايتي يا مرايتي، من يستحق أن أهديه هذه التجاعيد؟ هل أهديها لرجل أحببته؟ أم لأولاد أنجبتهن؟ أم لإنجاز حققته؟ أم لخدمة قدمتها؟»، فإن وجدت جواباً فلم يكن لتلك التجاعيد أن تؤرق ليلها. وإن لم تجد كان الطبيب، أكان طبيباً نفسانياً أم طبيب صحة أم طبيب تجميل، بعونها.