مهى زراقطالجدية التي تحلّى بها ممثّلا «هيومن رايتس ووتش»، نديم حوري وسارة ليا وتسن، خلال مؤتمر صحافي عقداه، أمس، لم تمنع الصحافيين من طرح الأسئلة عن جدية ما تطرحه المنظمة في تقريرها الأخير الذي حمل عنوان «الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2009 جدول عمل لحقوق الإنسان»، إذ يحرص التقرير على دعوة المرشحين والأحزاب السياسية إلى تبنّي مجموعة من القضايا الحقوقية لطرحها في برامجهم الانتخابية والعمل على تنفيذها في حال فوزهم!
يزداد الشك في جدية هذا الطلب، مع الاستماع إلى المحاور الخمسة الأساسية التي يوليها التقرير الأهمية: التعذيب، المفقودون، حقوق كلّ من العاملات الأجنبيات في المنازل، المرأة اللبنانية واللاجئون الفلسطينيون. يسأل أحد الزملاء: «مَن مِن السياسيين أو المرشحين متفرّغ لإيلاء أهمية لما تقولانه؟ الكلّ مشغول بحملته الانتخابية». لكنّ هذا السؤال «اللوجيستي» ليس الأهم، بل يُفترَض أن يكون السؤال الأبرز: «كيف يُطلب من سياسيين التعهّد بالمطالبة بحقوق تُعدّ الدعوة إلى انتهاكها أبرز عناوين خطاباتهم الانتخابية، ولا سيّما ما يتعلق منها بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، أو تسهيل فتح المقابر الجماعية لكشف مصير المفقودين وضحايا الاختفاء القسري؟».
لكن التشكيك في الأهمية التي يوليها السياسيون لقضايا حقوق الإنسان، وللمحاور الخمسة أعلاه، لا يعني التوقف عن إثارتها، «وهنا يأتي دور الإعلام»، يقول حوري، داعياً الإعلاميين إلى سؤال المرشحين والأحزاب عن مواقفهم من هذه القضايا، «وليقدّموا وعوداً صريحة بشأنها إلى اللبنانيين».
ينطلق حوري من حق الناخبين اللبنانيين في الحصول على نقاش أوسع وأكثر تفصيلاً بشأن القضايا التي تؤثر عليهم: «كثير من اللبنانيين يتعرضون للتعذيب في السجون، كثير من العائلات لا يحظى أفرادها بجنسية أمهم، حقوق العاملات الأجنبيات لا تزال موضع شك، اللاجئون الفلسطينيون محرومون من حقوقهم منذ عقود... كلّ هذه المسائل تستحق أن يُسأل عنها المرشحون وأن يعلنوا موقفهم منها».
لذلك يطلب التقرير من المرشحين تبنّي عدد من التوصيات، أبرزها في موضوع التعذيب: نشر نتائج التحقيقات المتعلقة بالتعذيب في السجون، والتي أعلنت وزارة الداخلية بدء القيام بها في آب 2008، مطالبة الحكومة بالالتزام بالمادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب والعمل على ضمان التزام لبنان بالبروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب. أما المفقودون، فمطالبة اللجنة السورية اللبنانية التي أُلّفت في أيار 2005 للتحقيق في قضايا الاختفاء القسري بالإعلان عن أية معلومات توصلت إليها منذ أيار 2005، ودعم إنشاء لجنة وطنية مستقلة مؤلّفة من ممثّلين لأسر الضحايا وجماعات المجتمع المدني المعنية بالمفقودين، على أن تتمتع بسلطات أوسع منها الأمر بفتح المقابر الجماعية. بالنسبة إلى الجنسية، يدعم التقرير العمل على تشريع يؤدي إلى تعديل قانون الجنسية بما يضمن حق النساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب في نقل جنسيتهن إلى أطفالهن وأزواجهن. وفي ما يتعلق بالعاملات الأجنبيات الوافدات، دعا التقرير وزارة العمل إلى إنشاء وحدة تفتيش تختص بمراقبة أوضاعهن للتأكد من تطبيق عقد العمل الموحد. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فالمطلوب تعديل التشريعات التي تقيّد اللاجئين في تملّك العقارات، رفع أي قيود على دخول مواد البناء إلى المخيمات، إزالة المعوقات التي تحول دون توظيفهم وإيلاء إعادة إعمار مخيم نهر البارد الأولوية. «وهذا الموضوع يمثّل تحدياً كبيراً للسياسيين، عساهم يقدّمون فيه المثل الجيّد».


إرادة سياسية؟

غاب السياسيون عن مؤتمر أمس، رغم أن توصيات التقرير موجهة إليهم بالدرجة الأولى. لكن لا بأس، فالمطالب نفسها تمثّل محور الندوة التي تعقدها منظمة العفو الدولية عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم في فندق الكومودور.
وقد أكد ممثل المنظمة في لبنان أحمد كرعود أنه وجّه دعوات إلى جميع السياسيين للمشاركة فيها، وإن لم يبد تفاؤلاً باحتمال تلبيتهم الدعوة: «على كلّ حال سنرى من سيأتي».
كرعود أضاف إلى المحاور الخمسة التي طرحتها «هيومن رايتس ووتش» مطلبين: إصلاح النظام القضائي وإلغاء عقوبة الإعدام. وقدّم أمثلة عن الانتهاكات التي تحصل، ومنها عدم إمكان الاستئناف أمام المجلس العدلي ومحاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، مؤكداً أهمية وجود إرادة سياسية لتحقيق المطالب.