كأنّ فلسطين خافت أن تغيب عن الوجدان في الذكرى الواحدة والستين للنكبة، فنزفت غزة مجدداً لتذكّر بجرح لم يلتئم بعد، وثّقته الكاميرا
القاهرة ــ محمد هشام عبيه
على الحائط، تجاور الاثنان: صورة غزاويين يلملمون بقايا أحبّتهم، وعبارة تسيبي ليفني «نحاول بكل جهدنا تجنّب إيذاء المدنيين، ولكنّ ذلك يحدث». المفارقة لا تحتاج إلى التفسير، والهدف الأساسي لمعرض «لاجئون إلى الذكرة» واضح: فلتبقَ ذاكرتكم منتعشة. في «ساقية الصاوي»، أمام النيل في حي الزمالك، قرر ثمانية من الشباب المصريين والفلسطينيين، بالتعاون مع زملاء لهم أميركيين وكنديين، نقل خط المواجهة من العالم الافتراضي على الإنترنت، كما يشرح أحمد فتحي، الصحافي الذي يسترجع خطوات فريقه السابقة قائلاً «البداية كانت في فبراير 2008 بعدما قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي إنه إذا لم يتوقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية فسيكون هناك هولوكوست جديد في غزة. عندها قررنا أن نقدم متحف هولوكوست كالذي يقيمه اليهود في أميركا. لكنّ الهولوكوست هذه المرة سيكون فلسطينياً بوجهة نظر عربية تحشد تفاصيل المحرقة التي تعرّض لها الفلسطينيون ولا يزالون حتى يومنا هذا».
دون تنسيق أو سابق معرفة، التقى هؤلاء الشباب، على اختلاف طاقاتهم وقدراتهم وحتى تخصصاتهم العلمية، ليطلقوا متحف الهولوكوست الفلسطيني على الإنترنت www.palestinianholocaust.net (في أبريل 2008.
«كان هدفنا من ذلك بناء ذاكرة جماعية تجعل الناس دوماً على سطح صفيح ساخن، حتى لا يموت الفلسطينيون مرتين؛ مرة بالرصاص الإسرائيلي ومرة بالنسيان»، كما يقول فتحي.
في الهولوكوست الفلسطيني، هناك توثيق دقيق لأداة القتل ولضحاياها، بالاسم والصورة وروايات الشهود.
كانت الخطوة التالية إنشاء المتحف ذاته في عالم Second Life على الإنترنت، بتصميم معماري مماثل لتصميم متحف الهولوكوست اليهودي في الولايات المتحدة.
أما «مع العداون الإسرائيلي الأخير على غزة في ديسمبر 2008، دخلنا في مرحلة أخرى من النشاط، إذ نظّمنا وقفات احتجاجية داخل Second Life، وجمعنا 5 آلاف دولار لمصلحة الهلال الأحمر الفلسطيني، ودخلنا في صراع مع الإسرائيليين الناشطين بشدة في هذا العالم الافتراضي، حتى زار المتحف طوال أيام العدوان على غزة نحو 20 ألف زائر»، كما يوضح فتحي.
على خلفية هذا العدوان الأخير، جاءت فكرة معرض «لاجئون إلى الذاكرة»، إذ اتُّفق مع أربعة مصورين موجودين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعملون لمصلحة وكالات أنباء كبرى، على أن يرسلوا إلى فريق «الهولوكوست الفلسطيني» صوراً تحمل حكايات وتفاصيل توثق للمحرقة التي وقعت في غزة، «من دون أي مقابل مادي، بعدما تحمّسوا للفكرة، وخصوصاً أن المعرض يتزامن مع ذكرى النكبة».
يستمر معرض «لاجئون إلى الذاكرة» في القاهرة لمدة 9 أيام متصلة، يتخلله عرض افتتاحي يوم 15 مايو يتضمن شهادات حية، وحفل غنائي لـ«أحمد على الحجار» وعرض ثلاثي الأبعاد من داخل متحف الهولوكوست الفلسطيني.
أما الوجهة التالية للمعرض، فستكون العاصمة البريطانية لندن، بحسب فتحي، لأنه «من المهم أن يشاهدنا الغربيون على مقربة منهم بعدما عرفنا بعضهم عبر الإنترنت، على أمل أن تكون لندن البداية، تتبعها لاحقاً عواصم أوربية وعربية أخرى».