لعبة Raid Gaza الإلكترونية تلقى انتشاراً واسعاً، إنها أشبه بالكوميديا السوداء، اقتل فلسطينياً تنلْ جائزة أو Bonus، اللاعب رابح بالتأكيد، تطل عليه صورة أولمرت الكاريكاتورية، يطلق أوامره لتفجير قطاع غزة لتصير صورة إسرائيل الأخلاقية موضع تهكم...
خضر سلامة
لعبة «Raid Gaza»، أو «غارة على غزة»، هي لعبة فلاش من ألعاب استراتيجيا الوقت الحقيقي (Real-time strategy)، مهمة اللاعب فيها «مثيرة»: أنت ضابط إسرائيلي، مكلف بالرد على صواريخ القسام الفلسطينية المتساقطة على الحقول المحيطة بمستوطنة سديروت.
مهمة اللاعب إذاً هي أن يقتل، مقابل كل قتيل إسرائيلي، عشرات الفلسطينيين، وذلك بأوامر من رئيس حكومته...
الفوز مضمون للاعب، الذي يتقمص شخص العسكر الإسرائيلي، فما هي رسالة Raid gaza الحقيقية؟ وهل يمكن تصنيفها حقاً لعبة؟
Raid gaza، تبدو للوهلة الأولى رسالة دموية عن شرعية الانتقام من غزة وقتل الفلسطينيين، لكن يجدر بداية التعمق في اللعبة، في الكلام العنصري المقتبس عن أولمرت قبل بدء اللعبة «إن قواعد الأحادية القطبية لأي حل تكمن في الإكثار من أعداد اليهود وتقليل أعداد الفلسطينيين»، ثم تبدأ اللعبة بمشهد لصاروخ قسام يسقط بعيداً عن المناطق المأهولة في سديروت، يعود أولمرت في كاريكاتير كارتوني إلى الشاشة: «أيها الضابط، لقد فعلها الفلسطينيون مجدداً وأطلقوا القسام على سديروت، أسرع وفجّر قطاع غزة قبل أن يصاب أحدهم بأذى!!»، لتأتي الأوامر في اللعبة «لديك هذه المساحات الأربع، شيّد فيها ما تستطيع أن تقتل به أكبر عدد ممكن... ولا تصرف كل مالك».
هذه العبارات تكشف حقيقة السخرية السوداء التي اعتمدها مصمم اللعبة، من أجل إيصال رسالة «إنسانية» معادية للتبريرات الإسرائيلية التي قادت إلى حصار القطاع، وفجرت العدوان عليه.
الألعاب القائمة على نظام الـ RTS تعتمد عادة على معسكرين خصمين، يملك كل منهما قوة متكافئة تجعل اللعبة أكثر إثارة.
Raid gaza هي لعبة تتركز القوة على العسكرية، هذه القوة في كفة معسكر دون آخر، وبانتصار مضمون للاعب في الدقائق الخمس من المعركة، التي تشهد إطلاق بضعة صواريخ لا تقتل في نهاية المطاف إلا بضعة إسرائيليين، بينما يملك اللاعب إمكانية إنشاء قواعد عسكرية إسرائيلية، ومطارات، وثكنات، وإعطاء الأوامر بشن هجمات جوية وبرية تقتل في كل مرة العشرات من الفلسطينيين... بل إنه سيحصل عند إصابته مستشفى فلسطينياً، أو مدرسة أونروا، أو مركز شرطة، في إحدى غاراته على «Bonus» ورسالة تهنئة! الرسالة السياسية في اللعبة لاذعة، والصورة الأخلاقية لإسرائيل موضع تهكم من مصمم اللعبة. وإلى ذلك، يمكن للاعب أن يطلب مساعدة من الحليف الأقرب أي البيت الأبيض. في اتصال هاتفي يجيب الحليف: «أهلاً بالصديق، طبعاً، ربما لم يكفك أوسلو؟ ولكن تباً بالطبع هذا العدوان سيُعدّ فرقاً صحيح؟ اقتلهم جميعاً!»، لتغلق السماعة ويزداد بعدها احتياطك المالي، ما يعطيك المجال لإكمال القصف! بعد انقضاء الدقائق الخمس من اللعبة، يعود أولمرت إلى الشاشة، ليحصي نتيجتك، على سبيل المثال: «250 قتيلاً فلسطينياً، 10 قتلى إسرائيليين، أي ما نسبته 25 قتيلاً فلسطينياً مقابل كل قتيل إسرائيلي... لا بأس بذلك...» حسب تعليق شخصية أولمرت.
مصمم اللعبة، الذي رفض التصريح عن اسمه، واكتفى بالتعريف عن نفسه بأنه ناشط أوروبي، قال إنه بدأ بالعمل على اللعبة قبل عام ونصف، وذلك بعدما استفزه تقرير صادر عن الأمم المتحدة أواخر عام 2007 يحوي إحصائيات عن الفارق الضخم في أعداد ضحايا الصراع بين الطرفين، وذلك بعكس ما تصوره وسائل الإعلام الغربية عن حقيقة الأمر وطبيعة القاتل والقتيل، وبعد ذلك جاءت حرب غزة الأخيرة التي دفعته إلى الانتهاء من تصميم اللعبة وإدخال اللمسات الأخيرة عليها، وتحديث معطياتها ووضعها بين أيادي مستخدمي الإنترنت.
المصمم المجهول الهوية يعلن في غير موقع أن هذه اللعبة صممت «لأنها أبسط، أوسع انتشاراً من أية رسالة إعلامية، وهي لعبة لا عرق ولا دين ولا فئوية لها»، ويضيف: «لجأت إلى وضع نظام الجوائز للاعب عند إصابته مرفقاً مدنياً، من أجل الإشارة إلى «الأخطاء» المتكررة للجيش الإسرائيلي، التي لا أفهمها إلا على أنها محاولة متكررة للتخلص من أكبر عدد من المدنيين رغم كل التبريرات!»، ويشير صاحب الفكرة أخيراً إلى أنه تأثر في تصميمه للعبة بألعاب فلاش أخرى قريبة كلعبة مولييندوستريا الإيطالية، وألعاب أخرى صادرة عن المصنع نفسه.
اللعبة، التي أثارت أولاً موجة من التعليقات، اتهمت مصممها بالعنصرية والدموية في فهم خاطئ، سرعان ما استطاع المستخدمون فهمها، ويتبين ذلك من خلال التعليقات عليها، والمقالات التي هاجمتها في وسائل الإعلام المدافعة تاريخياً عن إسرائيل، المعلقون تنوعوا بين معجب باللعبة كلعبة، وآخرين أعجبوا بالفكرة والأسلوب في إيصال الرسالة السياسية في Raid Gaza، اللعبة الفلاش، الصغيرة الحجم، الفردية التنفيذ، التي تشير إلى نافذة أخرى لأحد أشكال الصراع والمعركة التي وصفها إدوارد سعيد يوماً بالحرب الأخلاقية بيننا وبين الكيان الإسرائيلي.