محمد زبيب«يستحق اللبنانيون نظاماً سياسياً، ينظر إليهم باعتبارهم شعباً واحداً، ويندفع معهم مجتمعاً وفئات مدنية، لا كفئات متنافرة وطوائف متباعدة... يستحق اللبنانيون إدارة عامة تخدمهم ولا تعطلهم، وقضاءً مستقلاً يسهّل أمورهم ولا يعقدها، واقتصاداً يزيد من إنتاجيتهم لا من هجرتهم».
مهلاً، لا تستعجلوا، لا تعدلوا عن متابعة القراءة باعتبار أن ما ورد أعلاه مجرد «عبارات إنشائية» تتكرر في ادبيات المناضلين، من دون طائل، لتغيير النظام في لبنان... بات لهذه العبارات قيمة لا تقدّر بثمن، فقائلها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي اكتشف أخيراً أن «التشوّهات القائمة في نظامنا السياسي تبقى أساس الداء، وتبقى اللاجم الأكبر لمسيرة الإصلاح الجذري».
لمَ لا، فالزمن زمن انتخابات، والرجل، الذي اعتصم في السرايا الحكوميا وأقام الصلاة فيه للدلالة على الموقع المذهبي لرئاسة الحكومة، يمكن أن يفيق فجأة على بديل «المواطنة»، هذه الكلمة السحرية التي ردّدها مرتين متتاليتين، كمن وجد مفتاحاً ضائعاً، في خطاب ألقاه قبل يومين في مؤتمر بعنوان «إدارة المواهب في زمن الأزمات».
السنيورة هو من يسعى إذاً الى تغيير النظام، وليس ميشال عون أو حسن نصر الله، كما يشاع، فهما سارعا، بشتّى الوسائل والطرق، الى نفي أي نيّات لديهما في الخروج على النظام، أكّدا التزامهما باتفاق الطائف ودستور الطوائف، فلا مثالثة ولا من يحزنون.
ولكن ما الذي يريد السنيورة تغييره على وجه التحديد؟ يقول في خطابه إن «المواطنة» تتحقق من خلال: إصلاح إداري يحد من حجم القطاع العام، إصلاح قضائي يحمي الاستثمارات، إصلاح بنيوي يطلق طاقات القطاع الخاص... هكذا تقوم «الدولة المدنية القادرة والحديثة»، برأيه، وهذا هو «المشروع الإصلاحي» الذي حمله الرئيس الراحل رفيق الحريري، و«منعته الظروف العالمية والاقليمية والمحلية من تحقيقه، ولا سيما بعدما تبلور نهائياً في مؤتمرات باريس 1 و2 و3».
لا شك في أن هذا المشروع يحقّق نقلة أكيدة في النظام: من دولة «المزرعة»، كما يردّدون، الى دولة «الكرخانة»، دولة لا تشبه أي دولة، لا مواطنة فيها ولا مواطنين، بل أجراء لدى من «اصطفاهم الله» و«أنعم عليهم» بالثروات.