يعتصم عدد من اللاجئين المقيمين في لبنان عند الحادية عشرة من صباح اليوم أمام مكاتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للمطالبة بلقاء لجنة تفتيش دولية موجودة في لبنان منذ 4 أيام للاطّلاع على سير العمل في المفوضية. اللاجئون أكدوا لـ«الأخبار» أن في حوزتهم وثائق ومعلومات خطرة تكشف الفساد والتمييز في عمل المكتب، ويمثّل لقاؤهم اللجنة فرصتهم الأخيرة لكشفها بعدما سُدّت الطرق في وجوههم
مهى زراقط
في المبدأ، لا أسماء للنشر. يمكن فهم هذا الشرط لأنه صادر عن لاجئين أجانب مقيمين في لبنان هربوا من بلادهم طلباً للحماية الدولية. لكن المفارقة أن رغبة محدّثينا في عدم الكشف عن أسمائهم ليست نتيجة الخوف من مهدّديهم الأصليين، بل من موظفين في المكتب الذي يُفترض به حمايتهم: مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. رغم ذلك لا يبقى هذا الشرط مقدّساً بالنسبة إلى اللاجئين الذين التقتهم «الأخبار». منهم من قصد مكاتبها بنفسه، ومنهم من قصدناه إلى مكان إقامته... وحتى مكان دفنه.
نبدأ من المكان الأخير. قبر الشاب السوداني سليمان محمدين في الطيونة. صحيح أنه لم يكن هو مفتاح القضية، لكن قصته تكرّرت على لسان أكثر من لاجئ يتخوف من أن يلقى المصير نفسه، وكانت «الأخبار» أول من عرض قضيته (راجع الأخبار العدد 781).
سليمان شاب سوداني يحمل بطاقة لاجئ من مفوضية الأمم المتحدة، صدمته سيارة في 20 آذار الفائت في محلة الغبيري فنُقل إلى مستشفى بهمن، حيث دخل في كوما لمدة 10 أيام وتوفي في 1 نيسان. يروي أصدقاء الشاب الكثير من التفاصيل عن الطريقة التي تعامل بها موظفو المفوضية مع القضية بهدف التملّص من المسؤولية، سواء أكان عبر الترهيب أم الترغيب، فيما تؤكد مساعدة العلاقات العامة والإعلام في المفوضية لور شدراوي أن زملاءها بادروا منذ اللحظة الأولى إلى متابعة الملف، والقيام بما يترتّب عليهم. في الحالتين، النتيجة واحدة: سليمان الذي كان يترقب موعد سفره إلى أميركا، «وكانت له حظوظ كبيرة في السفر»، تقول شدراوي، استقرّ أخيراً في مقبرة الطيونة. حتى إنه لم يسفّر إلى بلده ليدفن هناك. تؤكد شدراوي أن سبب عدم نقل الجثمان إلى السودان «لم يكن الكلفة المادية فحسب علماً أن المفوضية ليست مسؤولة عن دفع تكاليف نقل الجثمان، بل لأن إيصال الجثمان إلى هناك قد يسبّب خطراً على بقية أفراد عائلته».
تواصلت «الأخبار» مع آدم، شقيق سليمان المقيم في السودان. حالما يسمع الأخير اسم شقيقه، يقول «المرحوم سليمان؟ نعم، نعم، أنا شقيقه». يروي أنه تلقّى اتصالاً من شاب سوداني مقيم في لبنان يخبره فيه أن سليمان مات في حادث سير. لم يكن أمام آدم خيارات كثيرة. هو أيضاً فارّ وأسرته المكونة من 9 أفراد من بلدتهم، ويقيمون كلاجئين في إحدى مدن السودان. آخر مرة تواصل فيها مع شقيقه كانت قبل 4 أيام من تعرضه للحادث. «اتصل بي وسأل عن أحوالنا». كيف أحوالكم؟ نسأله، فيجيب: «سيئة للغاية»، ما يعني أن الإمكانات المادية معدومة لتوفير كلفة نقل جثمان. لذلك، أقنعه أصدقاء شقيقه بأن الحلّ الأفضل هو دفنه في لبنان «وهم قاموا بالواجب وعملوا له كرامة».
يخشى اللاجئون من مصير مماثل. «يكرّرون في المفوضية أن دورهم توفير الحماية لنا، لكن حتى هذه الأخيرة لا يقومون بها، إضافةً إلى تقصيرهم في الأمور الأخرى». هنا يبدأ الحديث، فيعلن بعضهم أسماءهم، ويعرضون وثائق يقولون إنهم مستعدون لتقديمها إلى لجنة التفتيش الموجودة حالياً في لبنان «وخصوصاً أن أحداً لم يتصل بنا لكي نلتقي أعضاءها»، يقول عبد المنعم، سوداني الجنسية.
لا يحكي هذا الرجل كثيراً عن نفسه، ولا يفتح الملف الذي بين يديه إلا بعد أن يترك لبقية زملائه الحديث عن مشاكلهم، رغم أنه وصل إلى مرحلة اليأس. وضعه الصحي يتدهور، والأمن العام اللبناني منعه من العمل بطريقة حاسمة في لبنان لأنه من المصنّفين ضمن الفئة الأولى (يحمل شهادة دكتوراه في الحقوق من الجامعة اللبنانية). يقول: «يعرف الجميع أنني مريض، وأنني غير قادر على العمل، رغم ذلك حجبوا عني المساعدة الشهرية التي كانوا يقدمونها إلي، ومنعوني من دخول مكاتب المفوضية».
محمد الساعدي، عراقي الجنسية، ممنوع بدوره من دخول المفوضية، والسبب أن ملفه موجود عند المدير، كما قيل له. محمد يعاني وضعاً صحياً دقيقاً: مشاكل في الكبد، وانزلاق في العمود الفقري، ويحمل تقارير طبية تُثبت حالته، لكنه لا يحظى بأي نوع من الرعاية الطبية. «كنت أعمل وأدفع بدل علاجي، أما الآن، فلم أعد قادراً على الدفع، وقد بعت كل أثاث منزلي».
يعرف الرجلان أن إجابة المفوضية عن شكاويهما ستكون مرتبطة بالميزانية. وهذا ما تقوله شدراوي لـ«الأخبار» فعلاً، موضحةً أن المفوضية توزّع المساعدات الطبية وفق الحالات الأكثر إلحاحاً. لذلك، يقول عبد المنعم: «أنا أوافق على هذه الحجة، لكن فليأتوني بحالاتهم الحرجة وسأعرض عليك الحالات التي أعرفها، ولتحكم لجنة تحقيق بيننا».
في هذا الإطار تبرز حالة هادي عباس. سبعيني هرب من العراق قبل 27 شهراً، ويعاني مشاكل صحية مزمنة، إضافةً إلى عدم قدرته على العمل. رغم ذلك بادر فور وصوله إلى لبنان إلى العمل في البناء لأن أحداً لم يخبره بحقوقه. عمله الشاق أقعده مجدداً، فبدأ يتعرّف إلى لاجئين آخرين عرف منهم أنه يستطيع الحصول على مساعدات طبية وإعانات مالية. هكذا، حصل على تغطية طبية كاملة له، إضافةً إلى مبلغ شهري بدأ يتقاضاه منذ عام تقريباً، لكنه كان يتناقص تدريجياً بحجة الميزانية، وهو يخشى اليوم من حرمانه إيّاه.
شدراوي تتفهّم وجود شكاوى، ووجود إجابات غير مقنعة بالنسبة إلى لاجئين تمثّل المفوضية ملجأهم الوحيد في لبنان. لذلك تقترح عليهم إرسال شكاواهم إلى المدير «وهناك بريد إلكتروني سريّ يعرفه اللاجئون، وإذا شعروا بأنهم لا يحظون بالاهتمام اللازم يمكنهم مراسلة جنيف».
لكن جنيف أوفدت لجنة تفتيش، وهي تمضي يومها الأخير في لبنان، فهل ينجح اللاجئون في لقائها ولو استدعى الأمر الاعتصام؟