لطالما ارتبط السهر وتناول الكحول بسلوك الشباب، أو على الأقل، هذا ما كان دوماً يمثّل المادة الدسمة في «دروس» الأوساط التربوية. إلا أن حانات من نوع جديد بدأت تظهر في لبنان، تلبّي حاجة عدد متزايد من الشباب الملتزمين بالحديث الشريف الذي يفيد: لعن الله شاربها وبائعها والجالس في مجلسها
عمر سعيد
«جو مختلف، المحال إللي بتبيع خمور بتكون الموسيقى فيها صاخبة، والعالم بيرقصوا بجنون، وكتير بيضايقوا الصبايا خصوصاً». هكذا، ترى زينة الاختلاف بين المقاهي التي تمتنع عن تقديم المشروبات، وتلك التي تعتبرها من أساسيات السهر في بيروت.
ظهر أخيراً هذا النوع من المقاهي في أحياء لم تعتد ذلك. في الحمرا، حيث عادة ما يمتزج «كاس المحبة» مع «قهوة ع الرصيف»، تجاور مقهى «كعكايا» و «ع ذوقك». بمجرد دخولك أحدهما، وقبل أن تطالع قائمة المشروبات، تلحظ التماثل بينهما. فالمكانان يعتمدان ديكوراً شرقياً، وموسيقى طربية، ليستقطبا النوع ذاته من الزبائن المولعين بتدخين النرجيلة، ويمتنعون عن احتساء الكحول. يرى طوني، وهو طالب في الجامعة الأميركية، أنه ليس من الضروري أن تكون الكحول متوافرة في جميع المقاهي. فعلى الرغم من أنه لا يمتنع عن تناولها، إلا أنه كثيراً ما يحتاج إلى قضاء أمسية هادئة في مقهى لا يقدم سوى قهوة وبعض المأكولات، ويتميز بالخدمة الجيدة. في هذا السياق، لا تتعارض هذه المقاهي مع تلك التي تقدم الكحول، ووجودها مطلوب حتى بالنسبة إلى من يتناولون الكحول، لأنها تلبي مزاجاً مختلفاً. «ففي كثير من الأحيان، أمرّ عليها لتدخين النرجيلة قبل ذهابي لتناول الكحول في إحدى الحانات، أو بعده».
الالتزام الديني كان أول ما دفع مازن سويدان إلى افتتاح «كعكايا» ومن بعده «ع ذوقك»، وخصوصاً بعدما لاحظ أن التزامه الديني ليس استثناءً، إذ إن الكثيرين من الشباب ملتزمون مثله، ويحتاجون إلى مساحة سهر لا تقصيهم بسبب التزامهم الديني، بل تلبّي حاجاتهم كشباب يحبون الخروج والسهر مع احترامها لمعتقداتهم ولمشاعرهم. أما السبب الثاني، فقد كان «تفادي أزمات التعامل مع الزبائن بعد «تعاطيهم» الكحول، ورغبتي في استحضار «جو الضيعة» العائلي بين زبائن المقهى في المدينة»، كما يشرح.
يؤكد سويدان أن تقديم المشروبات الكحولية غير ضروري لنجاح مشروع المقهى، وإذا ما توصّل لاحقاً إلى افتتاح مقهى ثالث، سيختار الحمرا مجدداً. ففي رأيه أن زبائن هذه المنطقة نوعان: «فئة تهتم بالخدمة الجيدة أكثر من «مطالعة الفتيات»، أو سائحين يحبون ارتياد مكان شرقي نموذجي، يقدّم النرجيلة والمأكولات الشعبية».
تحاول إدارة هذا النوع من المقاهي الحفاظ على طابعه الهادئ، غير أن ذلك لا يمنعها من تقديم سهرات خاصة مثل حفلات العود في عطلة نهاية الأسبوع، التي تقام في «ع ذوقك» مثلاً.
«سفرون» مقهى آخر من الفصيلة ذاتها، يعمل في منطقة فردان، حيث الهدوء هو السمة الأساسية للمنطقة. افتتح المقهى في المكان الذي كانت تحتله حانة «نيويورك» سابقاً، والتي أغلقت بالشمع الأحمر بعدما رفع السكان دعوى قضائية على صاحبها بسبب صخب الموسيقى ونشوة روادها الزائدة.
على هذه الخلفية، كان المكان ملائماً لافتتاح فرع جديد لمقهى «سفرون» غير ذلك الرئيسي في لندن، والذي لا يقدم الخمور كذلك. رغم اعترافه بأنه سيقدم الخمور فيما لو أتيح له افتتاح مقهاه الخاص، إلا أن راني رمال، مدير المقهى، يوافق على رأي زميله في الحمرا في ما يتعلق بعدم ارتباط نجاح المقهى بتقديمه الكحول. فحتى في ما يتعلق بالأرباح، تتقارب النسب بين تقديم الكحول والنرجيلة. غريمان يحشد كل منهما أعداداً هائلة من الشباب، تتفاوت أساليبهم في الاستمتاع، وتظل مربحة لصاحب المقهى في جميع الأحوال.


رقص بدون كحول... إي لأ...

أكد رمال، مدير مقهى «سفرون»، أن امتناع المقهى عن تقديم الكحول لا ينعكس عليه سلباً. ورغم أن البعض قد يزعجهم هذا الطابع، إلا أنه يطمئن البعض الآخر، وخصوصاً أن هذه المقاهي قد تقدم المشروبات ذاتها التي تقدمها الحانات، لكن دون أن تضيف إليها الكحول، لتسمى «مشروب عذري» VIRGIN يتذوق الرواد طعمه اللذيذ من دون أن يضطروا إلى تناول الكحول.
ولكن، على الرغم مما يراه رمال وسويدان من «طبيعية» الأمر، إلا أن العديد من الشباب لا يزالون يجدون الأمر غريباً ومستحدثاً. من بين هؤلاء كارول التي أبدت انزعاجها عندما زارت مقهى «صفرون» وفوجئت بعدم وجود كحول، فيما تصدح موسيقى الدبكة، ويتراقص على أنغامها الشباب. فبالنسبة إليها «رقص وسهر دون مشروب... ما بتزبط!».