يكاد البطل في «رأفت الهجان» يختنق بفرحة يدّعيها أمام «أصدقائه» بعد هزيمة 67. أما عزيز، فيبرهن أن الأوضاع الشائكة لا تقتصر على الدراما
قبرص ــ عمر ديب
تفاجأ «الرفيق عزيز» عندما وجد نفسه يمثل دولة «إسرائيل» في مهرجان الشبيبة القبرصية في نيقوسيا. فهو يحمل الجنسية «الإسرائيلية»، لكنه، مثل الكثيرين من أقرانه من فلسطينيي الداخل، ينتمي بكل أحاسيسه وأفكاره إلى القضية الفلسطينية.
في المكان المخصص لعرض قضايا المنظمات الضيفة في المهرجان، كتبت فوق كل كشك لافتة تشير إلى الدولة التي تنتمي إليها المنظمة. ولأن عزيزاً آت من الكيان المغتصب، فقد ظللت رأسه طوال فترة المهرجان يافطة «إسرائيل». طبعاً رفض «الرفيق عزيز» أن يجلس هناك، فبقي الكشك خالياً طيلة أيام المهرجان. وكنا، حين نطلبه، نجده جالساً مع الشباب الفلسطينيين تحت الكشك المخصص لفلسطين.
كانت تلك هي المرة الأولى التي يتفاعل فيها مع شباب فلسطينيين آخرين قدموا من الضفة الغربية ومن المخيمات في سوريا ولبنان. أطلق معهم كل مخزونه من الشوق لوطن حرم منه. أحبهم ووجد فيهم نصفه الآخر. اكتشف فيهم هويته المسلوبة وتمنى لو يستطيع تمزيق جواز سفره الممهور بختم دولة «إسرائيل».
أخبرنا كيف احتفل مع رفاقه بكل صاروخ سقط على «دولته» في حربها على لبنان في تموز 2006، وكيف كان العرب يركضون إلى السطوح عند إطلاق صفارات الإنذار، فيما يتراكض الصهاينة ويتدافعون لولوج الملاجئ المخصصة لهم.
هو الغربي في ثقافته الاجتماعية والعربي في ثقافته القومية، المضطهد من دولته لأنه فلسطيني، والمقصيّ من العرب لأنه «إسرائيلي». هو «الإرهابي» بالولادة، يخضع للملاحقة والتفتيش والاعتقال التعسفي لا لذنب سوى أنه فلسطينيٌ رفض أن يترك أرضه وبيته لمستوطن قادم من مزرعة في بولندا أو لمرابٍ وافد من نيويورك.
جيرانه أرهبتهم الأخبار التي تناقلتها ألسنة الناس والتي تداولها الإعلام عام 1948 عن أفظع المجازر التي ترتكب بحق العرب، فتركوا منازلهم قسراً مشرعة للصهاينة، بينما تمسّك أهله بمنزلهم وبأرضهم، ليولد هو بعد سنوات في بلاد لا ينتمي إليها، لكنها وطنه رسمياً. عاش أبناء جيرانه الذين غادروا
ذل التهجير في بلاد الشتات، بينما فرضت عليه الغربة في وطن من المفروض أنه له.
شعرت حين رأيته وعرفت هويته بالحيرة، هل ألقاه كفلسطيني أتبنى قضاياه أم أتفاداه كمواطنٍ من دولة عدوة؟
لم أكد أتحدث معه حتى اكتشفت كيف أننا نظلم أحياناً إخوة لنا في أرض محتلة ونضاعف عزلتهم حين نقصيهم عنا. لم أعرف كيف أبرر له عندما سألني لماذا هم ممنوعون من زيارة لبنان وغيره من بلدان المنطقة.
خلال حرب تموز الماضية، لم أكترث كثيراً لموت المدنيين العرب خلال القصف. قلت لنفسي «كلهم إسرائيليون»، لكن «عزيز» علمني أن فلسطينيي مناطق الاحتلال هم أكثر الناس مظلومية، فهم ضحية لكل الأطراف، وهم الشعب الذي تُتناسى حقوقه وقضاياه فيصبح جزءاً مسلماً به من «إسرائيل» دون أن يكون له لا حول ولا قوة.
رفيقي عزيز، كنت أتمنى لو يلقاك أصحاب المبادرة العربية للسلام قبل أن يبادروا بسلام يكرّس الظلم الواقع على الملايين من الناس الذين يحبون الحياة ولهم حقوقهم الإنسانية مثل أقرانهم أصحاب شعار «لبنان أولاً» و»المعتدلين العرب».