عمر نشّابةعانت معظم المؤسسات الحكومية من أضرار بنيوية خلال الحرب الأهلية. وفي فترة ما بعد الحرب، لم يصر إلى إعادة هيكلة المؤسسات، وخاصة الأمنية، بالشكل المناسب مهنياً. فلم تعطَ المعايير الخُلُقيّة وآليات المحاسبة والتدقيق داخل هذه المؤسسات الاهتمام الكافي. وقد لقي الفساد المالي في المؤسسات الرسمية تشجيعاً ناتجاً من الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع اللبناني، إضافة إلى تدني أجور موظفي القطاع العام في لبنان، وبينهم ضباط الأجهزة الأمنية والعسكرية ورتباؤها ومجندوها من دون ضمانات صحية كاملة.
وتنتشر بين المواطنين أخبار عديدة عن رشى يتلقاها ضباط ورتباء في الأجهزة الأمنية، وبعضها يتحدّث عنها قادة ومديرون عامون من دون أي تفعيل جدّي لأجهزة الرقابة والتفتيش. وتكاد الرشى تصبح مقبولة اجتماعياً عندما يطلق عليها اللبنانيون تعابير أخرى، كـ«الإكرامية» و«الحلوانة». وهي عادة ما تحضر عندما تغيب الصلات السياسية أو الدينية أو المذهبية برجال الأمن. وأكثر ما تظهر الرشوة عند مخالفي قانون السير وعابري الحدود بطريقة غير شرعية ومخالفي قانون الأجانب، وكذلك عند من يسعى أن لا يتبلغ رسمياً التبليغات القضائية.
إضافة إلى الفساد المالي المستشري بين بعض رجال الأمن، تعاني أجهزة إنفاذ القانون من مشكلة باتت تدخل في النسيج الاجتماعي والسياسي والإداري في البلاد، وتُعرَف بـ«الواسطة». فعندما تعجز «الإكرامية» تتدخّل «الواسطة» التي يوفّرها سياسيون وضباط رفيعو المستوى ورجال دين، وهي تؤدي أحياناً إلى أن «يرأف» رجال الأمن بمخالفي القانون، والى تحسين ظروف اعتقال بعض الموقوفين، أو إلى أن يعمل رجال الأمن في ظروف أسوأ من ظروف زملائهم. فتُعدّ الخدمة في السجون أو في فوج الطوارئ ببيروت أو سرايا الطوارئ في المناطق ومفارز السير عقاباً للبعض. وكذلك فإن التدخلات قد تسهم في الوصول إلى عكس ما ذكر. ويظهر الفساد داخل مؤسسات تنفيذ القانون على شكل استغلال يمارسه بعض الضباط الرفيعي المستوى بحق مرؤوسين لهم، بهدف تحقيق خدمات شخصية من خارج المهمات الرسمية، سواء لحسابهم أو لحساب عائلاتهم أو أصدقائهم. يدفع ذلك الى السؤال: هل يمكن أن تفلت الانتخابات من «الإكراميات»؟ وإذا نجحت في ذلك فهل تنجو من «الواسطات»؟