بشير صفيربعد حوالى خمس سنوات من إطلاق المهرجان في لبنان، نقل كريم غطّاس «ليبان جاز» إلى العاصمة السورية بالتعاون مع «الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون». ثمرة هذا التعاون الجديد كانت الحفلة الوحيدة التي قدّمها موسيقي الجاز النروجي بوغِه فِسِلتوفت في دار الأوبرا (دار الأسد ـــــ دمشق) مساء الثلاثاء الماضي. فسلتوفت كان قد أحيا حفلة في «ميوزكهول» في بيروت قبل يومين من إطلالاته الدمشقية.الفرق الجوهري بين الأمسيتين كان مشاركة الثنائي النروجي «مانغوليان جَتْ سَتْ» في الجزء الثاني من الحفلة البيروتيّة. أمّا في دمشق، فكان بوغِه فِسِلتوفت وحيداً على المسرح بين آلة البيانو والحاسوب والإلكترونيات.
من جهة ثانية، زاد عدد الجمهور الدمشقي أضعافاً عن شقيقه البيروتي. لذلك أسباب عدة، أبرزها حجم الصالة الضخمة في دار الأوبرا بالنسبة إلى الـ«ميوزكهول» وأسعار البطاقات التي كانت شبه رمزية مقارنة بالسعر اللبناني (إضافة إلى عدد سكان العاصمتين طبعاً). الجمهور كان في الحالتين: طلاب جامعات، أرستوقراطيّين، أجانب، «سميعة».
أما الفرق الأبرز فأتى في المكان غير المتوقّع: بوغِه فِسِلتوفت نفسه. ففي بيروت ساهمت حميمية الصالة بفكاهة لطيفة عبّر عنها بوغِه من خلال تفاعله مع فنّه: يدخل صوتاً إلكترونياً، يحورّه ويفرح فيه كصبيّ اخترع لعبته الخاصة. يغنّي جملة، يسجلها ويتلاعب فيها كأنه يسلّي نفسه والحاضرين. في الصالة الدمشقية المهيبة، لم يتغير أسلوب الفنان النروجي في بناء مقطوعاته، لكن تأثيرها عليه حدّت منه (ولم تلغيه) رهبة المكان.
موسيقياً، قدّم بوغِه فِسِلتوفت مشروعه الجديد: «بلايينغ» (Playing). المشروع عبارة عن مقطوعات تسير كما تنشأ العمارات. يبنيها صاحبها مدماكاً تلوَ الآخر، من خلال مراكمة أصوات مسجلة بشكل حيّ، وأخرى من الكومبيوتر. يبني، ويزيّن البناء بجمل مكتوبة أو مرتجلة على البيانو (والكيبورد)، وأخرى على آلات قرعيّة. وتنتهي المقطوعات الجاز/إلكترونية على شكلين: الهدم التدريجي أو إيقاف «الورشة» فجأة. نجح بوغِه بكل ما فعل، لأنه يتقن التعامل مع عناصر موسيقاه ولأنه بسيط بالتفاعل مع نفسه ومع الجمهور. الحلقة الأضعف عند الفنان النروجي تمثّلَت في التلوين الشرقي الركيك... لكن لا مشكلة كبيرة فيها لسبب وحيد: خلوّها من الادعاء. «ليبان جاز» في سوريا ليس حدثاً عابراً، بل مشروع تعاون على المدى الطويل، والموعد الثاني في أيلول (سبتمبر) المقبل.