قاسم س. قاسم«أختي شوفيني اليوم بالأخبار أنا يلّي عم دقّ اللحمة»، تقول هدية عكر ابنة الستين عاماً عبر الهاتف لأختها القاطنة في خان يونس. «متغيّرة كتير يا إختي، وأكيد مش رح تعرفيني» تكمل حديثها مع أختها وهي تمسح دمعتها، «نصحت يا خيّتا، وتحجبت كمان»، تضيف مبتسمة. لم تر هدية شقيقتها منذ 24 عاماً، واقتصر التواصل بينهما فقط على الهاتف. استغلت السيدة الستينية حضور الكاميرات لمناسبة ذكرى مرور 61 عاماً على نكبة فلسطين التي أحيتها اللجان والمنظمات الاجتماعية في مخيم برج البراجنة تحت الجسر في ساحة القدس. أرسلت هدية سلامها بالصوت والصورة لأقاربها في الداخل الفلسطيني، وخصوصاً إلى قرية الكابري التي تركتها وهي ابنة سنتين. وضعت أمامها «بلاطة اللحمة»، وبقربها جلست الفتيات الصغار ليتعلمن «دقّ اللحمة». تطرق بيدها اليمنى اللحمة، أما اليد الأخرى فتحركها وهي تشرح للفتيات الطريقة الأفضل «لتحريكها ودقّها بلا ما يطير شقف منها». شاركت مسنّات المخيم مع عكر في إحياء ذكرى النكبة. ارتدين ثيابهن التراثية وجلبن معهن بعض الأدوات التي ورثنها عن أهلهن عندما تركوا فلسطين. جلست نبيلة غندور ابنة الـ72 عاماً لتتولى مهمة تحميص البنّ وطحنه. تدعوك للتذوق، «شربت قهوة؟ تفضل دوقها وخبرنا». تناولك الفنجان فتعبق رائحة الهال المنبعثة منه، تبتسم الحاجة راضيةً عن قهوتها التي «تذكرني رائحتها بفلسطين». تغار عكر بعد سماع غندور الإطراءات على طعم قهوتها. فتقدم لك قرص «فراكة» لتتضارب رائحة البهارات والقهوة، تنظر إليك بانتظار حكمك على الطعم. فجأة تُشغَل السيدتان، ببساطة جذبت الروائح المشاركين ليتذوقوا. تتولى غندور مهمة الضيافة «كبّة أو قهوة؟» تقول. في هذا اليوم المخصص لفلسطين حضرت أغاني الثورة الفلسطينية والأغاني التراثية التي دبك على وقعها الشابات والمسنات معاً. جذب النشاط المارة بالقرب من الساحة. يتوقف شابان على متن دراجة نارية ليسألا: «شو في؟»، تجيبه إحدى الفتيات: «ذكرى النكبة»، يرد عليها: «إنشاء الله بترجعوا» ويرحل. الجميع مشغول كل على طريقته، لإحياء هذا اليوم. صبايا يرسمن العلم والخريطة الفلسطينية على وجوه الأطفال، أخريات يتهيأن لعرض الملابس التراثية الفلسطينية، وأخريات يضعن اللمسات الأخيرة للزفاف التراثي الفلسطيني الذي سيقام في آخر النشاط.
هذا في برج البراجنة، أما في الطريق الجديدة فقد انتظر الجميع انتهاء الصلاة للمشاركة بالمسيرة التي دعت إليها منظمة التحرير الفلسطينية لإحياء المناسبة ذاتها. خرج المصلون وانطلقت المسيرة باتجاه جبانة الشهداء في شاتيلا. عزفت الفرق الكشفية موسيقاها، خرج أبناء الطريق الجديدة الى الشرفات، ليشاهدوا «طلائع فلسطين» كما كان يصرخ بالاسم فتيان كانوا يمرون هناك. تقدم المسيرة كبار السن، خلفهم أصحاب المناصب: مسؤول العلاقات الخارجية في منظمة التحرير الفلسطينية خالد عارف يتأبط ذراع المنسق العام للجان والروابط الشعبية معن بشور، وبقربهم رشيدة المغربي شقيقة الشهيدة دلال المغربي، التي فقدت أمها منذ أيام، والوزير السابق بشارة مرهج. وصلت المسيرة إلى وجهتها، جبانة الشهداء في شاتيلا، وبدأت الكلمات، كلمات عمرها من عمر النكبة.

غزة والنكبة: زيّ بعضوا
جلست ديانا عكر ابنة الست سنوات بالقرب من عمتها هدية لتراقبها وهي تجبل الكبة. تصر الفتاة على مشاركة العمة بالعمل فتوكل إليها مهمة زيادة البهارات والماء على جبلة الفريك، لكنها تقول لها: «بس قبل قومي إغسلي إيديكي». استطاعت ديانا المشاركة لأنه «اليوم جمعة وعطلة، ما في مدرسة». لا تعرف الفتاة طبيعة ما يجري حولها. فبالنسبة إليها «أنا هون لأتضامن مع غزة وأولادها»، تسكتها العمة مبتسمة لتقول لها: «كرمى للنكبة نحنا هون، يه عليك، فضحتينا». تصمت ديانا ثم تقول بعد تفكير: «غزة، النكبة كلوّا زيّ بعضوا، أنا هون لأنو ما قادرة كون بفلسطين».