إيلي شلهوبكم كان معبِّراً مقال ريتشارد هاس في «واشنطن بوست» قبل يومين! قال إن الولايات المتحدة منهكة اقتصادياً وعسكرياً، وهي بالتالي مجبرة على خفض سقف أهدافها، تحت شعار أن النجاحات الجزئية التي يمكن تحمل كلفتها أفضل بكثير من الإخفاقات الكبيرة التي لا يمكن البلاد أن تدفع ثمنها. منطق رأى هاس أنه ينطبق على أفغانستان وكوريا الشمالية وإيران. في الأولى، كان حريصاً على تأكيد ضرورة عدم زيادة التورط الأميركي على مستواه الحالي. وفي الثانية، أكد وجوب التسليم بأن بيونغ يانغ لن تتخلى عن أسلحتها النووية، وأن الأمل في التوصل إلى اتفاق معها يضمن عدم نقل هذه التكنولوجيا إلى أطراف أخرى. أما بالنسبة إلى الثالثة، فرأى أن الحد الأقصى لما يمكن أن تأمله إدارة أوباما هو تعهد طهران بعدم تخصيب اليورانيوم إلى المستوى المطلوب لصناعة قنبلة نووية والتوصل إلى اتفاق معها على نظام تفتيش يضمن التأكد من ذلك.
لم يأت هذا الدبلوماسي المخضرم، الذي عمل في مناصب عليا في أكثر من إدارة أميركية، على ذكر عملية السلام في الشرق الأوسط. ربما لأنه يرى أنها ليست في طليعة سلّم الأولويات الأميركي، كما بات واضحاً للجميع. لكنه لو فعل، لكان على الأرجح حدد الأهداف في هذا الملف على الشكل الآتي: انتزاع موافقة حكومة نتنياهو على حل الدولتين، وتجميد النشاط الاستيطاني تمهيداً لاستئناف المفاوضات.
هدف كثير التواضع قياساً بتأكيدات أركان إدارة أوباما أنه عازم على التوصل إلى تسوية في المنطقة خلال عهده، إضافة إلى اعتمادهم لغة جديدة في تعاملهم مع الدولة العبرية، لم تألفها من قبل، أكثر من عبّر عنها جوزف بايدن بحديثه عن ضرورة وقف الاستيطان، وراحم عمانوئيل بتأكيده أن على إسرائيل الاقتناع بأن لا مفر من اتفاق وفق رؤية الدولتين.
لكنه ملف سيكون بلا شك محور لقاء أوباما ـــــ نتنياهو في البيت الأبيض يوم الاثنين المقبل. في هذا الاجتماع، سيحاول الضيف الإسرائيلي، على الأرجح، حرف النقاش نحو إيران، التي سيعدّها «أخطر مشاكل المنطقة». سيقول إن هناك فرصة تاريخية لتحالف يجمع المعتدلين العرب والولايات المتحدة وإسرائيل في مواجه ة الجمهورية الإسلامية. سيتحدث عن ضرورة بناء كيان فلسطيني «من الأسفل إلى الأعلى»، من دون أن يطلق عليه صفة «الدولة»، على قاعدة أنه سيكون منزوع السلاح ومنقوص السيادة، والمقصود «حكم ذاتي». سيلمّح على ما يبدو إلى استعداده للقبول بالمبادرة العربية إذا شطب منها حق العودة. لعله سيحاول إحياء التفاهم الذي أبرمه شارون مع بوش في ما يتعلق بالمستوطنات، وقد يتعهد بإزالة بعض البؤر العشوائية ويعرض مجموعة من الإجراءات لتسهيل حياة الفلسطينيين في الضفة. قد يطالب باستمرار فرض العزلة على سوريا، وإبعادها عن إيران. سيتذرع، على الأرجح، بالتركيبة اليمينية لائتلافه الحكومي لكي يؤكد أنه لا يملك الكثير من هوامش التحرك.
في المقابل، سيؤكد أوباما أنه لكي تنجح سياسة تأليف جبهة في مواجهة إيران، على حكومة نتنياهو إعلان قبولها بحل الدولتين بما لا لبس فيه. هو يعتقد أن انطلاق عجلة التسوية في المنطقة سيفرض طوقاً على طهران ويسحب منها الكثير من الذرائع، خلافاً لإسرائيل التي تعتقد بضرورة الانتهاء من المشكلة الإيرانية قبل المضي في عملية السلام.
وسيطالب أوباما، بلا شك، بتجميد البناء الاستيطاني، وسيعرض على ضيفه خطة سلام جديدة، تحدث عنها الملك عبد الله الثاني قبل أيام، وتفيد بالانسحاب حتى حدود عام 1967 في مقابل تطبيع مع 57 دولة عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي، على أن تُبَتّ قضيتا اللاجئين والقدس عبر التفاوض. لعله سيحث نتنياهو على تحريك المسار السوري.
اللافت في كل ما يجري، أن أوباما يستقبل نتنياهو في إطار لقاءاته مع قادة المنطقة، التي بدأت بعبد الله الثاني وستتواصل مع حسني مبارك ومحمود عباس، خلافاً لما جرت عليه العادة أيام جورج بوش، عندما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يحتاج إلا إلى اتصال هاتفي بالبيت الأبيض لترتيب لقاء مع سيده خلال ساعات. كذلك فإن زيارة الرئيس الأميركي إلى مصر، حيث سيعلن على الأرجح خطته الجديدة للسلام، لا تشمل تعريجاً على إسرائيل، لا في طريق الذهاب ولا في الإياب.
أيا يكن من أمر، لا يمكن المراهنة على اللقاء الأول بين أوباما ونتنياهو لرسم إطار العلاقة التي ستنشأ بين الرجلين خلال الفترة المقبلة. على الأقل هذا ما تظهره التجارب السابقة بين زعماء إسرائيل وأميركا. يُرجح أن يقتصر هذا اللقاء على نوع من العصف الفكري، وإن كان أوباما لا بد أن يحاول انتزاع بعض المكاسب يوظفها في «خطاب القاهرة» الشهر المقبل.
الخبر السارّ في هذه العلاقة أنها تحمل ما يكفي من بذور التوتر، الذي ستزداد حدته كلما اعتقد الإسرائيليون أن إيران باتت أقرب إلى تصنيع قنبلة نووية. بذور عسى أن يُحسن العرب استغلالها، في غير تقليد «المعتدلين» تقديم المزيد من التنازلات إرضاءً للعم سام.