أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. انتخبوني يا محسنين ومحسنات. صَوتاً، أو صوتين، أو ثلاثة يا ناس، يا عالم. أنا وسطي متطرّف، والوسطيّة منهج ونبراس وعقيدة و... وسيلة انتخابيّة لتزوير التاريخ ولتبييض الصحائف وتنقية السير الذاتية. أنا وسطي ومستعدّ لأن أهزّ وسطي من أجلكم. أنا وسطي وأمشي وأرقص على حبل في وسطه. وأنا في وسط الخلاف بين آل سعود، فلا أفضل أميراً منهم على أمير. أحبهم كلّهم وأبقى على مسافة وسطيّة بينهم
أسعد أبو خليل*
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. انتخبوني يا محسنين ومحسنات. صحيح: أنا سخّرتُ صحيفتي من أجل الترويج للنظام السوري ورعاياه على امتداد سنوات، وصحيح أني كتبت مديحاً في إميل لحّود، وصحيح أني جلت وصلت على التلفزيون السوري دفاعاً عن النظام السوري قبل اغتيال الحريري وبعده، وصحيح أني كنت أجلس في الصف الأول عندما يدلي وزير إعلام سوري بدلوه، وصحيح أني أطلقت أقذع الاتهامات بحق فريق 14 آذار وبحق السعوديّة، وصحيح أني سخّرت صحيفتي للدفاع عن ميشال عون بعد عودته من المنفى، وصحيح أنني طالبت بعودة الجيش السوري إلى لبنان بعد رحيله، لكنني وسطي الآن. ولا أفهم هذا التهجّم على شخصي العظيم: فإذا كان لفارس سعيد الذي لم يُنتخب نائباً في فترة «الحريّة والسيادة» بل في حقبة الوصاية عينها (والذي وصف الناخبين الشيعة في جبيل بـ«الجيران») أصبح مُقارعاً عنيداً للوصاية السورية، فلماذا لا يحقّ لي أنا «العبد الفقير» أن أكون وسطياً؟ وإذا كان بطرس حرب، الذي كان وزيراً ونائباً وصديقاً لغازي كنعان ورستم غزالة من بعده، قد عاد أخيراً ليقول في خطبة إطلاق حملته الانتخابيّة إنه هو كان (أي من موقع النيابة والوزارة وصحبة «رستم») من الذين قُمعوا واضطُهدوا في حقبة الوصاية، أفلا يحقّ لي أن أكون اليوم وسطياً؟ إذا كان سامي الخطيب (الذي سبق عاصم قانصوه وفايز شكر وعبد الرحيم مراد في الولاء لآل الأسد) قد تحوّل إلى حريص على السيادة من قصره المنيف، أفلا يحقّ لي أنا الارتماء في الوسطيّة؟ لمَ لا؟ وأنا وسطي مع أنني كنت صديقاً لرستم غزالة إلى درجة أنني جمعته في غداء حميم مع رفيق الحريري من أجل تنقية الأجواء بين صديقيْن حميميْن. وصحيح أنني فاخرت بتحالفي مع سوريا وصداقتي مع رستم غزالة، لكنني... وسطي. وصحيح أنني اتهمت سعد الحريري وتيار المستقبل بالعلاقة مع إسرائيل وبالذيليّة مع السعوديّة، لكنني الآن الآن (وليس غداً) وسطي.
وأنا يا جماهير تجرّعت الوسطيّة في زيارة أخيراً إلى المملكة العربيّة السعوديّة وفي لقاء وجيز مع الأمير بندر بن سلطان ـــــ والرجل، لمن لا يعرفه، وسطي حتى العظم. والوهابيّة، كما تبيّن لي في زيارتيْن إلى السعوديّة (مع أن الأمير بندر رفض أن يراني في الزيارة الثانية) وسطيّة، وابن باز نفسه كان وسطياً في الفقه والموعظة. وفجأة، رفع إعلام 14 آذار الحظر عني وبات يمتدح وسطيّتي مع أنه اتهمني بالتورّط في اغتيال الحريري واستُدعيت للتحقيق لساعات وساعات وتدخّل المتدخّلون في التنقيب في حسابي المصرفي، لكنني اليوم وسطي إلى درجة أني مستعدّ لأن أشهد ـــــ من باب الوسطيّة ـــــ أنني رأيت بشار الأسد يقود سيارة المتسوبيشي وبجانبه ميشال عون في 14 شباط 2005، وكان جبران باسيل يجلس في المقعد الخلفي. أنا مستعد لأن أدلي بشهادتي الوسطيّة اليوم، لو استدعوني من جديد إلى التحقيق. وأنا الذي كان يكتب المدائح في المقاومة صرت أكرّر لازمات 14 آذار عن ضرورة وضع قرار الحرب والسلم بيد أحمد فتفت وميشال معوّض وفريد حبيب لأنني وسطي (وكأن الدولة اللبنانيّة اتخذت مرة واحدة في تاريخها المُشين والمُهين والذليل إزاء إسرائيل قرار الحرب ضد أحد غير شعبها والشعب الفلسطيني ـــــ وتستنكف الدولة عن اتخاذ قرار الحرب حتى عندما تجتاح إسرائيل لبنان وتمعن فيه تدميراً وتقتيلاً).
وأنا وسطي وكنت أفخر بالعلمانيّة. وكنت أبخّر للعماد عون وأخذت أفراداً من العائلة للقائه، وأنا أتهمه اليوم بـ«العهر» فقط لأنني وسطي، ولا علاقة لجلستي مع الأمير بندر بذلك. أنا وسطي عن اقتناع ومبدئيّة ـــــ صدّقوني يا محسنين ومحسنات. والإعلام السوري، تبيّن لي، تابعٌ للنظام السوري فقط عندما (ولأنه) هاجمني. أما عندما كان الإعلام السوري يمدحني ويروّج لي ويوزّع صحيفتي فكنت أظن أنه إعلام حرّ طليق. وأنا، إن كنتم لا تعلمون، وسطي عن حق وحقيق. وكنت أزهو بعلمانيّتي، أما اليوم: فأنا أتحدّث عن القديس شربل ولا يخلو تصريح أو إعلان انتخابي لي من الإشارة إلى سيدة حريصا... فقط لأنني وسطي ولأن السيّدة وسطيّة. وأنا كنت أزهو بعروبتي لكنني اليوم أذكّر الناس بأن جدّي كان يرتّل بالسريانيّة... لأنني وسطي.
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. انتخبوني يا محسنين ومحسنات. أنا بعثي قديم وكانت قيادة البعث تثق بي وتركن لآرائي. وكنت أحرّر في الجرائد البعثيّة في الستينيات. وأنا تعرّضت للقمع والسجن في العهود المتعاقبة في لبنان، وخصوصاً بعدما انحزت إلى الشق العراقي في حزب البعث. وزجّني سليمان فرنجيّة في سجونه، لكنني عدت وواظبت على زيارته في إهدن بعد إطلاق سراحي لأنني... وسطي (في البعثيّة وفي غيرها). وأنا، وإن كنت قد أيّدت صدام حسين في قيادة البعث عام 1968، عدتُ وتحوّلتُ إلى بعثي... وسطي بعدما تدخّل الجيش السوري في لبنان لحماية القوات اللبنانيّة التي لم تنكسر شوكتها إلا بعدما فعل «الرجل الخطير» فعلته ضد مشروع النازي اللبناني الصغير في أمسية صيفيّة. وأنا كنت عروبيّاً لكنني تحوّلت إلى مستشار لأمين الجميّل في عهده المشؤوم، وخصوصاً في مرحلة الإعداد لـ17 أيار لأنني وسطي. وكنت أحاول ترطيب الأجواء بين أمين الجميل والنظام في سوريا لأنني... وسطي. وبعد مرحلة الطائف أصبحت نائباً ووزيراً لقربي من النظام السوري وأجهزته العاملة في لبنان لأنني وسطي. وكنت قريباً جداً من رفيق الحريري أيضاً: أجتمع به أسبوعيّاً، كما كنت قريباً جداً من نبيه بري (أجتمع به أسبوعيّاً، هو أيضاً) لأنني وسطي. وأنا أحب حسن نصر الله حباً جماً كما أحب سعد الحريري حباً جماً لأنني وسطي. وكنت قريباً من رستم غزالة كما أصبحت قريباً من خصومه (بعد رحيله فقط، طبعاً) لأنني وسطي. وعندما كنت في فريق «عين التينة» ما فعلت ذلك إلا من باب الوسطيّة. أنا وسطي، أعلنها على سن الرمح ولا يضيرني اقترابي من 8 و14 آذار لأنني وسطي. وأنا أشهد على فذوذية سعد الحريري وعبقريته لأنني أنتشي بالوسطيّة. وكلّما كبرت طموحاتي الانتخابيّة (وخصوصاً الرئاسيّة) ازداد إعجابي بالشيخ سعد، وتوجهت بالنداء صوب قريطم.
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. انتخبوني يا محسنين ومحسنات. كنت عرّاباً لمرحلتيْن متناقضتين في تاريخ لبنان، وهذا دليل على انتهاجي الوسطيّة. كنت عرّاباً سياسيّاً وماليّاً لتنصيب النازي اللبناني الصغير رئيساً للجمهوريّة الإسرائيليّة في لبنان، لكنني تغيّرت بعد فشل المشروع النازي ـــــ الإسرائيلي في لبنان كما أنني اكتشفت شدّة سعادة عبد الحليم خدّام وغيره في سلطة القرار في النظام السوري بالنفيس من الهدايا والعطايا فاكتشفت في ليلة فيها ضوء قمر خافت أنني ـــــ يا لفخري وفخر من يحملني على أكتافه في كلّ حملة انتخابيّة ـــــ وسطي، إيه والله. والوسطيّة في مسلكي السياسي كانت تعود عليّ بالفوائد الجمّة. فهي التي واظبت على الإتيان بي وزيراً مرموقاً في حكومات عهد الوصاية: حتى في حكومة سليم الحص التي أتت تحت شعار محاربة الفساد في عهد لحّود أصرّت سلطة الوصاية على توزيري رغم امتعاض سليم الحص لأنني... وسطي. وعندما أردتُ، إسعاداً لشرف العائلة، أن آتي بابني البكر وزيراً مرموقاً مطيعاً (لأوامر الاستخبارات السوريّة في لبنان) تجاوبت سلطة الوصاية السورية معي ومع ابني لأنني وسطي، كما هو وسطي ـــــ مع أنه اختلق لنفسه بطولات وهميّة بعد خروج الجيش السوري من لبنان لأنه وسطي. وابني البكر كان يقاوم شرّ عبدة الشيطان من موقعه في وزارة الداخليّة لأنه من عبدة الوسطيّة.
وأنا وسطي لأن الوسطيّة تخدمني في الإقليم الانتخابي. ووسطيّتي ساعدتني في «البزنس» وفي السياسة، وهي التي خوّلتني التعايش مع كل الحقبات المتعاقبة في لبنان. وابني البكر أجاد في خدمة النظام السوري في وزارات كان رستم غزالة يصرّ على إيكالها إليه، وإن كان هو نفسه اليوم بات يُعتبرُ ضماناً للحفاظ على المصالح الأميركيّة والحريريّة. وهو الذي كان يؤيّد المقاومة أثناء حرب تموز وبعدها عاد أخيراً من زيارة الى واشنطن مصمّماً على رفضه لسلاح غير سلاح الجيش: وهذا الإلهام الفجائي هو أيضاً وسطي. وصداقتي مع عبد الحليم خدّام وغازي كنعان ورستم غزالة والسفير الأميركي بعد 2005 هي دليل على الوسطيّة أيضاً. أما ما يقوله الطبيب اللبناني الذي كان يعاين رستم غزالة من أنه كان يتلذّذ بتركي منتظراً بحرقة على قارعة الطريق في الرملة البيضاء فيما رستم يتناول ترويقته على مهل قبل أن يستدعيني للصعود، فهذا يدخل أيضاً في باب الدعاية الوسطيّة المعادية لي. وعندما غيّر ابني البكر اتهامه في محاولة اغتياله من تحميل أصوليّين في عين الحلوة المسؤوليّة (وسرّب وثيقة في هذا الصدد لذلك الصحافي في نشرة المستقبل السلفي الذي كان يقول إن مجرّد إلقاء خطاب لبشار الأسد يفتح «كوّة» في جدار العدو الإسرائيلي) إلى إلقاء اللوم على رستم غزالة، مع أن الأخير كان يصرّ على توزيره في مواقع أمنيّة حساسة لتمرّسه هو ووالده في تلبية الأوامر الشامية، فعل ذلك خدمة للفكر الوسطي الذي ننهل منه.
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. انتخبوني يا محسنين ومحسنات. أنا ثري من أثرياء لبنان، والثروة مفتاح أكيد لدخول الحلبة السياسية في مسخ الوطن هذا ـــــ انظروا إلى محمد الصفدي الذي كان يسأل مدير حملته الانتخابيّة الأولى عن «اتفاق 17 أيار» لأن الصحافة كانت تسأله عنه وكان لم يسمع به من قبل. وأنا دخلت في العمل السياسي بسبب شقيقي الذي تربطه بالنظام السوري علاقات سياسيّة وماليّة وثيقة، وهو اختارني لأمثّل العائلة وسطيّاً، وفي وسط الحلبة السياسيّة. وأنا كنت من أقرب المُقرّبين إلى أولياء الاستخبارات السوريّة في لبنان الذين وزّروني لحسن سلوكي وثبات طاعتي وصدق ولائي، لكنني تحوّلت إلى وسطي منذ نفّذت أوامر مبعوث الصهيونيّة العالميّة في الأمم المتحدة، تيري رود لارسن، عندما أراد التعجيل في الانتخابات عام 2005 للاستفادة من الدماء والدموع. هذا الانصياع حاز إعجاب اللجنة الفاحصة في واشنطن والرياض، وأنا أتوافق مع الرياض في الترويج للإسلام الوسطي على مذهب بن باز. و«العزم» وسطي.
وأنا كنت نائباً ووزيراً في حقبة الوصاية ولم يسمع بي أحد قبل حقبة الوصاية لكن شقيقي ـــــ رأس العائلة ـــــ أقام وشائج محبّة مع النظام السوري، ممّا حتم دخولي إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء في عهد رستم غزالة الذي كان يبادلني الحب والإعجاب كما بادل ذلك الوسطي العرّاب وابنه البكر. وقد استفدت أكثر من غيري ـــــ أو مثل غيري من أثرياء مرحلة الوصاية ـــــ في تلك الحقبة وتنعّمت بامتيازات ومناصب لم أكن أحلم بها، لأنّي أشكو ـــــ وأرجو ألا يغضب شقيقي هنا ـــــ من انعدام فظيع للسحر الجماهيري والكيمياء الشعبيّة. أما انتقالي من عين التينة إلى التحالف مع سلالة 14 آذار فإنما كان خدمة للتيّار الوسطي الذي أتزعمه، لا لثروتي وإنفاقي بل لإطلالاتي التلفزيونيّة التي تدفع المشاهدين (والمشاهدات) إلى نوم مبكر ـــــ والنوم سلطان.
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. لا تفهموني «غلط». كنتُ أشارك بحماسة في الانتخابات في لبنان عندما كان المسيحيّون في أكثرهم يقاطعونها، ونلت لهذا جوائز ترضية من النظام السوري ووصلت إلى الوزارة في حكومة تشكلت، مثل حكومات رفيق الحريري في عنجر. لكني ارتأيت في هذه الانتخابات أن أترشّح في كسروان وسطيّاً، إيه والله. وما العيب في ذلك؟ لست وحدي في مذهب الوسطيّة. انتخبوني ـــــ دخيل الله.
نحن «جماعة» وسطيّة. والله، بالله، تالله نحن... على شفير الوسطيّة. نحن شاركنا في الهمروجة الطائفيّة في ساحة الجنون الطائفي والمذهبي، لكن المفاوضات الجارية مع شيخ السلالة الحاكمة بشأن مقعد نيابي إضافي لنا قد تدفعنا نحو الوسطيّة. نحن كنا شركاء في 14 آذار مع غيرنا، وخصوصاً مع القوات اللبنانيّة التي أمعنت قتلاً طائفيّاً على الهويّة ومع حزب الكتائب الذي كان يحرق شاحنات محمّلة بالمصاحف على مفرق الكحّالة ومع تلك السيّدة التي كانت تعدّ الأطباق لأرييل شارون، وإن كنا فرعاً للإخوان المسلمين التي تدعو إلى الجهاد ضد إسرائيل وتدعو الى التصدّي للمشروع الأميركي الذي أصبحنا ـــــ يا للظرف ـــــ جزءاً منه دون أن يلاحظ أحدٌ ذلك. السلالة الحاكمة وضعتنا في جيبها لسنوات بسبب كرم شيخ العائلة، وكنا نزمع التحالف مع 14 آذار، لكن شحّ المقاعد قد يدفعنا لولوج الوسطيّة، وعندها ـــــ وهذا برسم حاشية قريطم ـــــ وعندها فقط، سنعلن الجهاد ضد إسرائيل وسنتذكّر التاريخ الشنيع لسمير جعجع. ولكن، لو حصلنا على مقعد نيابي إضافي، فسننسى الوسطيّة وسنغفر لجعجع وسننسى احتلال إسرائيل كما نسيناه على امتداد الأعوام الماضية ـــــ بأمر عال من قريطم. أي إننا ذوو وسطيّة مشروطة.
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. أيّدوني يا محسنين ومحسنات. لم أكن معروفاً بينكم، ولم تكونوا قد سمعتم بي. ولو قابلتموني في الشارع لما تعرّفتم عليّ قبل عهد إميل لحود، الذي أتى بي إلى الوزارة. وسرت وراء إميل لحّود من دون سؤال أو تردّد، ولكن بعد اغتيال الحريري وبعد رحيل الجيش السوري عن لبنان، وبعد فقدان شعبيّة لحود عند المسيحيّين والسنّة، تحوّلت إلى وسطي وزعمتُ أني أتيت إلى الوزارة بـ... إرادة الشعب. إيه والله، تالله. إرادة الشعب. وهل هناك غير إرادة الشعب وزعماء الطوائف ورستم غزالة والأمير مقرن ممن يعيّن الوزراء في مسخ الوطن هذا؟ أبداً. إنها إرادة الشعب، لا غيرها. وإرادة الشعب قابلة للتزوير والتطويع ـــــ وهنا جمالها الكامن. إرادة الشعب أتت بسمير الجسر وزيراً للعدل في سلطة الوصاية وتستطيع الإرادة نفسها أن تأتي به وزيراً في سلطة مقارعة سوريا. يحيا الشعب.
أنا وسطي. والله، بالله، تالله أنا وسطي. إقبلوني يا محسنين ومحسنات. أنا إعلامي في محطة القوات اللبنانيّة المنشقّة التي لم تخفِ يوماً انحيازها الطائفي والسياسي عن مشاهديها، لكنني أطلّ اليوم عليكم من تلفزيون يدّعي الوسطيّة. وأنا أريدكم أن تصدّقوا أنني وسطي مع أنكم تذكرونني محاوراً سياسيّاً في محطة القوات المنشقّة، كما أنكم تذكرونني عريفاً في مناسبات 14 آذار، ولكن حاولوا أن تصدّقوا أنني وسطي. وأنا طبعاً كنت أعبّر عن انحياز فاضح وصارخ في كل محاوراتي التلفزيونيّة، لكنني أريدكم أن تقبلوني وسطياً، وإن كنت غير مرشح للانتخابات ـــــ ليس في هذه المرّة على الأقلّ. وأنا في تعاطفي مع القوات اللبنانيّة أرى نفسي وسطيّاً.
أنا ـــــ الحق أقول لكم ـــــ لست وسطيّاً. أنا كنت عنيداً في التحالف مع الاستخبارات السوريّة في لبنان عبر السنوات، وقلت كلاماً فصيحاً في مديح حافظ الأسد وابنه من بعده، كما تحوّلت إلى فقيه قانوني ـــــ غب الطلب ـــــ في فريق السلالة الحاكمة. لكن انا أتحدّث عن نفسي هنا. وأنا لا أتحدّث بالنيابة عن غيري. أنا كسّارة غزيرة الإنتاج، وأريد من الرأي العام في لبنان أن يتقبّلني وسطيّاً غير منتمٍ إلى أي من الفريقيْن. والكسّارة الوسطيّة تعود بالخير على كل لبنان، وصوتها مثل خرير المياه في جارة الوادي. والكسّارة رمز وسطي لأنها تتعايش مع الفريقيْن المتصارعيْن.
وأنا الدكتور رستم غزالة، والله، بالله، تالله أنا وسطي أيضاً. صحيح أنني كنت رمزاً للوصاية لكني أقمت علاقات مع الجميع، وقد تناول فرقاء عديدون من الطرفيْن الطعام إلى مائدتي، وهناك من احتسى قهوة أو خمراً معي، وهذا يثبت بالقاطع أنني وسطي. ولو عدتم إلى الصحف عندما عُينت خلفاً لغازي كنعان ـــــ هل تذكرون ذلك الاحتفال العرمرمي لرفيق الحريري في السرايا الحكومية؟ ـــــ لقرأتم أن الجميع في لبنان ممن هم في الفريقيْن المتنازعيْن اليوم زارني وهنأني على منصبي الجديد لأنني وسطي. إنه زمان الوسطيّة يا محسنين ومحسنات، ومن الواضح أن كل الذين يدّعون الوسطيّة في لبنان هم من أصدقائي السابقين الخلّص.
أنا جيفري فلتمان. والله، بالله، تالله، والله أنا وسطي. صحيح أنني كنت لصيقاً بـ14 آذار، وصحيح أنني كنت بوقاً صادحاً لإدارة بوش والفريق البوشي في صعوده، لكنني عندما لاحظت أن إدارة بوش تحتضر، وخصوصاً في الانتخابات النيابيّة في أميركا عام 2006، عدت وعبّدت طريقي للعودة إلى السلطة وقلت لمن لم يسألْني إنني ديموقراطي، ولم أكن يوماً جمهورياً. وعندما عدت إلى واشنطن بنيت علاقات وثيقة مع مارتن إنديك لعلمي أنه وثيق الصلة بالحزب الديموقراطي والزوجيْن كلينتون. وأنا الذي كان ينظّر لضرورة معاقبة النظام السوري ومقاطعته وعزله شاركت شخصيّاً في فك العزلة عنه. لماذا؟ لأنني وسطي.
الوسطيّة كما يروي ابن منظور في «لسان العرب» هو: اسم لمنهج معروف في الانتهازيّة والتقلّب والحربائيّة والتذبذب في السياسة والحقل العام. الوسطيّة هي في دعم مقاومة إسرائيل، وفي مقاومة المقاومة متى تدعو الحاجة. الوسطيّة هي في الانتقال من ضفة إلى أخرى بخفة ورشاقة وسعة الحقيبة. (وابن منظور نفسه كان وسطيّاً، وقد خاض معركة انتخابيّة قاسية في المتن على لائحة وسطيّة صرفة).
ملاحظة: ارتأت «الأخبار» أن تبدل كلمة «فقيد» بكلمة «شهيد» في عنوان مقالة هذا الكاتب في الأسبوع الماضي ونصّه، من دون علمه أو موافقته أو رضاه، مما أثار امتعاضه الشديد. فاقتضى التوضيح.
* أستاذ العلوم السياسيّة
في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)