جو ريشاالمعروف أن الشعر والموسيقى والغناء من الفنون الراقية والرسم والنحت من الفنون الجميلة، حتى الملاكمة فن نبيل. أما السياسة فنوعان، فن النضال لخدمة الوطن والشعب من جهة، وفن المكر والخداع لخدمة المآرب الشخصية من جهة ثانية. وفي هذا المجال أتاحت تسمية رئيس تكتل الإصلاح والتغيير، العماد ميشال عون، فنانين كمرشحين للانتخابات النيابية فرصة للمنازلة بين هذين النوعين، فيخوض الفنان عبدو منذر منازلة انتخابية في الإمارة الجنبلاطية التقدمية جداً، أما الفنان غسان الرحباني فيخوض أُمّ المعارك بمواجهة ميشال المر. وتأخذ هذه المعركة طابعاً حاداً لأسباب عدة، أولها عدم بلع أبو الياس لهذه المنافسة، وليس آخرها خوفه على حجمه لكونها «معركة أحجام»، كما سمّاها الشيخ
البتغريني.
أما الحقيقة الكاملة فهي أن هذه المعركة هي بين خطين متباعدين لا يجمع بينهما إلا «الأرثوذكسية»، لذا يبدو أبو الياس متوتراً متجهّماً فاقداً أعصابه وذاكرته على وجه التحديد، فينسى اسم التكتل الذي شارك في جلساته لمدة ثلاثة أعوام، ونسي وقفته الشهيرة عشية انتخابات عام 2005 واعتذاره من مناصري التيار الوطني الحر على أفعاله السابقة ضد السياديين والأحرار، كما نسي أيضاً اسم العائلة الرحبانية رغم أن شيب العرب وشبانها ينحنون إعجاباً بهذه العائلة التي منحت بلاد الأرز بُعداً حضارياً في أرجاء الأرض وسموَّاً لا يُمسّ. إنها مواجهة بين فكرين ومنطقين وأسلوبين، فغسان الرحباني كرّم الشعب الأرمني بأغنية رائعة أشادت بأصالتهم وتضحياتهم من أجل لبنان، فيما أبو الياس لا يرى في الأرمن سوى عدد من الأصوات الناخبة فيحالف مَن وجّه أقذع الاتهامات العنصرية ويوالي الحوت الأزرق الذي ابتلع وقزّم التمثيل الأرمني في بيروت. غسان الرحباني غنّى للبيئة وللبنان الأخضر رافعاً صوته على ضجيج المرامل والكسارات في أبو ميزان جارة بلدة القديسة رفقا وبوجه جبل النفايات في برج حمود، الذي اختفت محرقته في عهد السوبر وزير.
الرحباني غنّى «خلصت سنة الـ2000» مع ما كانت تمثل من أيام فساد وارتهان، غنى «ممنوع» رداً على مَن منع إطلاق زمور السيارة وكثيرون اعتقلوا على نفق نهر الكلب بسبب مجرد زمور «تاراتاتا» لتهديده العروش الكرتونية لمملكة الوصاية التي كان المر من أبرز أركانها. الرحباني غنى «بلدية بيروت انتحست»، فانتحست معها بلديات المتن المرّية الهوى التي جعلت من أهالي المتن أسرى رؤساء هذه البلديات الذين يمعنون في قهر الأهالي ويقدمون الخدمات أو يحجبونها بحسب الانتماءات السياسية
للمواطن.
هذا مع عدم نسيان إرادات المال الفاسد من كابلات الفضائيات «الدش» ومولّدات الكهرباء واشتراكات الإنترنت. غسان الرحباني غنى «طريق المطار» على الرغم من أنها أضيق من الشارع المتفرّع عن بتغرين، كما غنى غسان «قباض منّو وانتخب ضدّو»، هذه الأغنية اعتبرها القريطميون فنّاً هابطاً، فما بال هذا الشاب المتني، هل يعتقد نفسه روبن هود؟ مَن هو ليدعو الناس لاسترداد مالهم المسروق والكذب على الكذاب والاحتيال على المحتال، فبالنسبة للتيار الأزرق محاربة الرشوة والمال الانتخابي أمر حرام، إذ إن قطع أرزاقهم من قطع أعناقهم رغم لوثة هذه
الرزقة.
وغنى غسان «قصتنا بهالمجتمع» ضد الإقطاع العائلي والوراثة السياسية، وهذا ما يعتبره اللفيف القريطمي قدحاً وذمّاً في حقه، ومن بينهم أبو الياس الذي لا يريد إزعاج ابنه وابنته وصهره وحفيدته بهذه الأغنية «الرجعية» التي تحارب الوراثة السياسية والبيوتات الإقطاعية. أما بالنسبة لأغنية «اشتعل وما تقبض يا حبّوب» فهي بالنسبة لغسان دفاع عن العمال الذين يعملون بأجور زهيدة لا تقيهم الفقر والعوز، أما بالنسبة للقريطميين فهي وسيلة تبرّر الغاية المنشودة حيث ينخر الفقر جيوب المواطن فيلتجئ إلى البيك والشيخ أو الريّس شاحذاً مساعدة طبية أو مدرسية أو حتى صندوق إعاشة وتنكة زيت عن روح أي كان من الشهداء... لا يهمّ.
كذلك قدم غسان مسرحية «هنيبعل» التي تبرز بطولات وأمجاد أحفاد فينيقيا التي لا يمكن مقارنتها بشاي حلفاء المر. كما قدم غسان مسرحية «كما على الأرض كذلك من فوق»، التي تمثل شخصية «أبو كاس»، وهو رجل عاش على الأرض عيشة الزعران والفاسدين ولمّا مات وانتقل إلى العالم الآخر أراد أن يستمر هناك بالأسلوب نفسه الذي عاشه على الأرض فطُرد إلى جهنم، وبالمقابل يقدم لنا «أبو الياس» مسرحية شبيهة بعنوان «كما أيام الاحتلال كذلك اليوم» تحكي قصة رجل يتقلّب من عهد إلى عهد ليكونَ رجلَ سيّدِ العهد القوي، ومن المنطقي أن تسدل الستارة على هاتين المسرحيتين بالنهاية نفسها وذلك بسبب تشابه الروايتين والبطلين أبو الياس وأبو كاس وليس أقلّه من حيث تشابه الأسماء.
أما آخر ما يقدمه الفنان غسان الرحباني فهو برنامجه التلفزيوني «غنّي مع غسان» الذي يفتح المجال أمام الجميع لإسماع صوتهم بقالب يجمع بين الفن والفكاهة، فيغني غسان مع المشاهدين ويعزف لهم و«يفش خلقهم»، أما في حال فوز غسان بالمقعد النيابي فسيطالبه جمهوره بالإبقاء على برنامجه وأن لا يُستبدَل ببرنامج «غني مع أبو الياس» كي لا تخدش آذان اللبنانيين مفردات مثل الجلابيط والأغبياء وكي لا يُستبدل الغناء بالتهويش.