علاء العليركبت السرفيس إلى جانب السائق. مشغول البال، لا طاقة لي للرد على الأسئلة التي انهال بها السائق علي. حاول محادثتي عن أحوال البلد، فالتزمت الصمت. سيّان عندي إذا ارتفع سعر البنزين أو انخفض. وما شأني أنا بتصريحات السيدة كلينتون مثلاً! هناك ما هو أهم. والأهم، بالنسبة إلي، هو الحصول على أكلة «المفتول» أو «المغربية». لن أطلب من جارتنا فاطمة مجدداً أن تطبخها لي. قصدتها مرة. لم تتردّد حينها، وخصوصاً عندما علمت أن الأكلة كانت سترسل إلى شاب فلسطيني قد تقطّعت به السبل في أوروبا. خرج للدراسة ومُنع من العودة إلى فلسطين. أذكر أن فاطمة أخبرتني أن صناعة المفتول منزلياً ستندثر حتماً، لأن «بنات الجيل الجديد مشغولات بالإنترنت والفيديو كليب». الآن، أخجل من تكرار الطلب، ولا سيما أن عائلة فاطمة، هجّرت من البارد ولجأت إلى منزلها الصغير في صبرا.
على مدخل المخيم نازل؟ سألني السائق، يبدو أننا وصلنا. نزلت من السيارة ودخلت أزقّة مخيم برج البراجنة، متوجهاً إلى معهد التدريب المهني، وما زلت أفكر. استرجعت كلمات فاطمة عن بنات الجيل الجديد، وتذكّرت أمّي. فمع أنها ليست من الجيل الجديد، فإنها لا تجيد صناعة المفتول. أذكر أنني سألت خالتي مريم يوماً، لِمَ لم تتعلّم والدتي هذه الأكلة بالذات؟ فأجابتني: «أمك ايديها محنّايين»! فوالدتي كانت أصغر إخوتها، وكانت مدلّلة لدرجة اعتمادها على جدتي وخالاتي في صنع المفتول، فعانيت ما عانيت. مهلاً! خالتي مريم، لقد مر زمن منذ زيارتي الأخيرة لها، ومن المؤكد أنها «غضبانة علي». ماذا عساها فاعلة لو دخلت منزلها الآن في مخيم عين الحلوة؟ من المؤكد أنّها ستبدأ التحيّة برفع «عكاز الردع الاستراتيجي» لتهدّدني به! فكبيرة العائلة، بعد رحيل جدتي وانتقال السلطة إليها، تعرف معزّتها في القلوب والقيمة الردعية لعكّازها، فلا تستعمله إلا للتّهديد. حسناً، عليّ زيارتها وإلّا فسيزداد غضبها وتسقط ردعية عكازها، فتنهال به على رأسي.
بعد مرور ساعة الدرس الأولى، توقفت مع التلامذة نتجاذب أطراف الحديث. أخبرتهم عن قلقي على المفتول. ضحكت هبة مستغربة هذا القلق، فأكياس المغربية منتشرة في الدكاكين. ثمّ سألَت: «هل يُصنع المفتول في المنزل؟ تدخلت هند بشيء من الحدة «عزااا، طبعاً يُصنع في المنزل! وأنا أعرف كيف». ازداد استغراب هبة، فتطوّعت هند بحماسة لشرح طريقة صنع المفتول. أشعرني كلامها بالغبطة. وما إن انتهيت من الدرس، حتى هرولت إلى منزل الخالة «أم ياسين» المعروفة بخبرتها ولذّة طعامها. أردت أن أتباهى أمامها بالوصفة.. ولكن، كانت «وصفتي ناقصة». ماذا سأفعل الآن؟ ربما، سآخذ الوصفة منها، وسأحرص على أن تتعلّمها هند جيداً. من يعلم، فقد تصبح هند «أم ياسين» أخرى، ويخرج المفتول من دائرة الخطر.