قبل أسابيع سمعناها على المنابر، تدافع عن برنامجها كمرشّحة في الانتخابات الرئاسية الجزائريّة. ولم تكد تلتقط أنفاسها حتّى بدأت حملة جديدة ضدّ التزوير... المناضلة الخمسينيّة التي اشتهرت بموقفها ضد قمع الإسلاميين في التسعينيات، معتادة على التغريد خارج السرب، وما زالت تدافع عن مواقفها بالزخم نفسه
دينا حشمت
قابلناها للمرة الأولى في جنيف عام 2000، مع صديق نقابي مصري. ما زلنا نتذكّر تماماً الانطباع الأول الذي تركته في أنفسنا حفاوتها التلقائية، والكاريزما التي تشع منها قبل أن تنطق بكلمة واحدة. كانت المدينة السويسرية تستضيف يومها تظاهرة مناهضة لـ«مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية»، وقمةً بديلة انعقد على هامشها مؤتمر عن «الأبعاد الحقيقية للأزمة الجزائرية».
مرة ثانية، دخلنا عن طريق الخطأ إلى أحد المدرجات في جنيف، ضمن فعاليات مؤتمر عن «الأبعاد الحقيقية للأزمة الجزائرية». فإذا بها هنا، تلقي خطاباً عن نضال أُسَر المفقودين، وتدافع عن توقيع «حزب العمال» الجزائري مع «جبهة القوى الاشتراكية» وبعض قياديي «جبهة الإنقاذ الإسلامية»، على «عقد روما» (1995) الداعي إلى تصالح النظام والإسلاميين. كانت تتحدث وكاريزماها تشع من دون عائق سوى ذلك الذي يفرضه عليها «الانضباط الحزبي».
خاضت معركة الرئاسة مرتين (2004 ثم 2009) في وجه الرئيس عبد العزيز بو تفليقة. لم تفقد لويزة حنون شيئاً من حرارتها وبساطتها، ما إن تتجاوز لحظة التحفظ الأولى. تستقبلنا في مقر «حزب العمال» في الحراش، إحدى ضواحي الجزائر العاصمة. نستعيد معاً أصدقاء مصريين مشتركين، وتفرح بخبر اعتماد أول نقابة مستقلة في مصر. ترينا لوحة مرسومة لها في برواز ذهبي وتضحك: «لم أتعود بعد على مثل هذه الأشياء». لكنها سرعان ما تستعيد صرامة المناضلة وهي ترد بنعم قاطعة على سؤالنا: هل ستصوّت ثانية لمصلحة تعديل دستوري يسمح لرئيس البلاد بترشيح نفسه لأكثر من عهدين؟
هذا ما فعلته مع 20 نائباً من حزبها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. رشّحت نفسها للانتخابات الرئاسيّة رغم مقاطعة قوى المعارضة لها، فجاءت في المرتبة الثانية بعد الرئيس بوتفليقة، بنسبة 4،22 في المئة من الأصوات، وفق أرقام وزارة الداخلية. انتقد موقفها ليبراليون رأوا فيه دعماً لإبقاء بوتفليقة في الحكم، ويساريون راديكاليون كانوا قد دعموا ترشيحها عام 2004. حينها، رفعت راية الدفاع عن القطاع العام والتنديد بالليبرالية، من دون أن ترفق ذلك بالإلحاح على طيب نوايا الرئيس مقابل سوء نوايا وزرائه الليبراليين... وكانت أوّل امرأة تخوض انتخابات رئاسية في العالم العربي.
ولدت لويزة حنون فجر اندلاع الثورة الجزائرية، في نيسان (أبريل) 1954 في أسرة فقيرة من ولاية جيجل الشرقية. وُلِدَت في «قرية نائية في الجبال»، من أب بدأ العمل في سن الحادية عشرة، وانتمى إلى جبهة التحرير. فجّر جيش الاستعمار البيت العائلي مرتين، وفي المرة الثانية، «لم يعد ممكناً أن يبنى من جديد»، فرحلت العائلة إلى مدينة عنابة حيث عمل والدها خبازاً.
«لولا هذه الهجرة لبقيت أمية. لم تكن هناك مدرسة في القرية» تقول. تتحدّث بكثير من الحنان عن أبيها رغم رفضه التحاقها بالجامعة، ما اضطرها إلى ترك المنزل! لم تتصالح معه إلا قبل ستّة أشهر من وفاته عام 1982، لكنّها متيقّنة من أنّه كان سيفخر بها.
لا مرارة في حديث لويزة حنّون عن سنوات القطيعة التي أجبرتها على ترك التدريس، والالتحاق بوظيفة ليلية في مطار عنّابة، كي تتمكّن من متابعة دراستها في كلية الحقوق. تتذكّر كيف كانت والدتها وإخوتها سنداً دائماً لها، منذ بدأت نشاطها السياسي في الحركة النسوية ضد مشروع «قانون الأسرة»، وفي الحركة الطلابية، من أجل تأسيس نقابة مستقلة. كان ذلك أيام «نظام الحزب الواحد». حينها قامت المناضلات النسويات بالعديد من الأنشطة لتجاوز الممنوعات، من عرض أفلام ــــ مثل فيلم هنري بركات «الحرام» (بطولة فاتن حمامة، 1965) ــــ تفتح نقاشاً سياسياً، وصولاً إلى «اقتحام كل نشاطات الاتحاد النسائي الرسمي».
بعد ذلك، التحقت حنون بـ«المنظمة الاشتراكية للعمال» السرية، ودخلت المعتقل في 1983 و1986. على أثر انتفاضة أكتوبر 1988، وما أحدثته من انفراج في الحياة السياسية، شاركت في تأسيس «حزب العمال» (1989)، وأصبحت المتحدثة الرسمية باسمه وشخصية معروفة بخطبها النارية. هذا ما أكسبها شعبية واسعة، فلامبالاة الناخبين بالانتخابات الأخيرة لم تمنع الآلاف من حضور مهرجانات «لويزة» الانتخابية.
لكن حنّون تعرّضت في المقابل للعديد من الانتقادات، وخصوصاً أثناء الحرب التي مزّقت الجزائر عشر سنوات، بسبب موقفها الداعي إلى المصالحة مع «جبهة الإنقاذ الإسلامية». تقارن تلك الانتقادات بما تواجهه اليوم من هجوم من قوى المعارضة، بسبب تصويتها على تعديل الدستور. ترى أنّها اتخذت «بالتشاور مع الحزب، الموقف الصحيح». «سنة 1997 كانت الأولوية لإسكات لغة السلاح»، تقول، «وكنّا على حق». اليوم، تستحضر التجربة الفنزويلية عندما تتحدّث عن تعديل الدستور الجزائري: «كون النظام الأميركي يحدّد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، لا يجعل ذلك فرضاً على جميع دول العالم، كما أنه لا يضمن الديموقراطية في حدّ ذاته». الديموقراطية بالنسبة إليها هي «إمكان سحب الثقة من المسؤولين المنتخبين في حالة عدم تنفيذهم وعودهم الانتخابية».
الأهم في نظرها اليوم هو «الحفاظ على السيادة الوطنية». في جنيف عام 2000، لم توقّع على بيان مؤتمر «الأبعاد الحقيقية للأزمة الجزائرية»، لأنّها رفضت «أن تأتي محكمة دولية، مهما كانت، لتعطي حكماً في شأن لا يخص غير الجزائريين». وفي 2008، رفضت استقبال السفير الأميركي الذي كان «يضغط على كل أطراف القوس السياسي الجزائري، من أجل إقناعهم بالتصويت ضدّ تعديل الدستور». «لا نريد لبلدنا أن يصبح أفغانستان أو المكسيك»، تردد مشيدة بـ«المواقف الخارجية الجيّدة للجزائر في ما يخصّ فلسطين والعراق والعولمة». كما أشادت النائبة التروتسكية بتراجع بوتفليقة عن قانون كان سيفتح قطاع المحروقات للشركات الأجنبية، من دون أي إلزام لها بالتعاون مع شركة «سوناطراك» الوطنية.
لكن تمديد الدستور «كان يُفترض أن يحدث ضمن استفتاء شعبي» ترى لويزة، قبل أن تردف: «لم يسبق لنا أن شاهدنا مثل هذه الممارسات، من قلب لصناديق الاقتراع وتزوير لمحاضر التصويت». وتضيف بحماستها المعهودة: «لن نقبل هذا الغش الفاضح»، مختتمة كلامها عن نيتها خوض «حملة وطنية ضد تزوير النتائج». فالأصوات التي حصلت عليها تتجاوز الـ4،22 في المئة حسب رأيها و«تعبّر عن وثبة وطنية» ضد ما تراه أخطر أمراض الجزائر اليوم: «قطاع المال الذي اقتحم الهيئات المنتخبة ونشر فيها التفسّخ والفساد بصورة لم يسبق لها مثيل».


5 تواريخ

1954
الولادة في جيجل
(شرق الجزائر)

1989
شاركت في تأسيس «حزب العمال» وصارت المتحدثة الرسمية باسمه

2002
حزبها يحصل على 21 مقعداً في البرلمان

2004
أول امرأة في الجزائر والعالم العربي تخوض الانتخابات الرئاسية

2009
ترشحت للانتخابات الرئاسية للمرة الثانية وحصلت على المرتبة الثانية وفق الأرقام الرسمية