علي يونس *استخدم النظام المصري أقذع التعابير بحق المقاومة وسيدها، وألقى تهماً خطيرة وضخّمها وأرفقها بتلفيقات وافتراءات وفبركها بما يتناسب مع مصالحه، وإرضاءً للعدو الصهيوني، وساقها إعلامه الرسمي بحملة شعواء، وجارته أجهزة إعلام عربية مشبوهة بحق مجاهد من مجاهدي المقاومة، لأنه نقل المساعدات إلى قطاع غزة، المحاصر من جانب هذا النظام ومن العدو الصهيوني، بغية خنق الشعب هناك كي يستسلم ويرفع الراية البيضاء، بعدما فشل العدو الإسرائيلي في تحطيم إرادته، وبالرغم من كل ما سكب فوق رؤوس الأطفال والنساء من قذائف وقنابل ومنها المحرّم دولياً.
عدو اغتصب فلسطين وطرد شعبها وارتكب بحقه أبشع المحارق والجرائم والمجازر ودنّس مقدساته، ودخل على خط القضية بين النظام المصري وحزب الله، لتوسيع الهوّة بينهما، بعدما أضاف تهمة اغتيال الرئيس المصري إلى لائحة الاتهامات التي صدرت عن المدعي العام المصري وهي:
أ ـــ نشر الفكر الشيعي في مصر. ب ـــ التآمر على النظام المصري. ج ـــ التخطيط للقيام بعمليات تخريبية داخل مصر.
والحجة جاهزة: تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية. هذه المبالغة في إلقاء التهم وتحميل القضية أكثر بكثير ممّا تحتمل تهدف إلى:
1 ـــ محاولة تشويه صورة المقاومة الناصعة في العالمين العربي والإسلامي، وما لها من مكانة عند الشعب المصري خاصة، لأن المقاومة منذ انتصارها على العدو الإسرائيلي في أيار من عام 2000، وإخراجه بالقوة من أرض عربية لأول مرة منذ بدء الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي والتصدي له في تموز 2006 والانتصار عليه، وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وهزّ مجتمعه من كل النواحي السياسية والأمنية والاجتماعية، اعتبروها تهديداً لأنظمتهم، لأنها أحرجتهم أمام شعوبهم وأشعرتهم بالضعف والجبن والذل والعار الذي ألحقوه بالأمة طوال ستين عاماً.
2 ـــ محاولة خلق عدو جديد متمثل بإيران، لأنها هي التي حملت لواء قضية فلسطين منذ انتصار الثورة، وقدمت إليها كل أنواع الدعم والمساندة، ودافعت عنها في كل المحافل الدولية والإقليمية، وتعرّضت لكل أنواع الضغوط من أجلها، وهي التي أسهمت في إفشال المشروع الأميركي ـــــ الصهيوني لتمزيق المنطقة مع كل من سوريا وحركات المقاومة، فاعتبرها بعض حكام عرب الاعتدال السبب في تعريتهم أمام شعوبهم. وهذا ما دفعهم إلى إثارة موضوع التشيّع ظنّاً منهم أنهم يستطيعون استقطاب شعوبهم حولهم، واعتقاداً منهم بأن شعوبهم على جانب من السذاجة والبساطة، وكأنهم لا يعرفون خلفية إثارة موضوع التشيّع الذي لا يقوم أحد بالترويج له ولا حتى في لبنان.
3 ـــ محاولة اللعب بعقل وعواطف وأحاسيس وغرائز الشعب المصري لحرفه عن عدوه الأساسي، ولصرفه عن قضاياه المعيشية، وأزماته الخانقة.
4 ـــ تقديم أوراق اعتماد جديدة إلى إدارة أوباما الذي أطل على العالم الإسلامي من خلال تركيا، والذي أبدى استعداداً لمحاورة كل من سوريا وإيران وبدون شروط.
5 ـــ استرضاءً للعدو الصهيوني، بعدما وجّه اللوم إلى القيادة المصرية واتهمها بالتقصير في خصوص تهريب السلاح إلى غزة، وبعدما هدّد وزير خارجية العدو أفيغدور ليبرمان بقصف السد العالي، وبعدما كان قد وجّه إهانة إلى الرئيس المصري. وما توجيه الدعوة إلى كل من رئيس وزراء ووزير خارجية الكيان الصهيوني الأخير إلا دليل على ذلك.
6 ـــ محاولة التأثير على مجرى العملية الانتخابية في لبنان، بعدما فشل مال النفط العربي في تغيير الواقع. وهنا يندرج الصراخ والضجيج الإعلامي والاستثمار السياسي الذي يتناقض مع موقف السلطات المصرية، التي أعلنت أن معالجة القضية متروكة للسلطات القضائية. وتلاقت هذه الحملات مع الحملة التي شنّتها دوائر غربية أبدت تخوّفها من انتصار المقاومة وحلفائها.
7 ـــ محاولة توجيه رسائل إلى الداخل المصري أولاً، وإلى كل عربي ومسلم حر وشريف، بأن كل مَن يحاول تقديم المساعدة إلى إخوانه في غزة إنما يرتكب جريمة يحاسب عليها القانون، لأن مساعدة الأشقاء المحاصرين أصبحت في القاموس المصري من المحرّمات، ولم تعد واجباً وطنياً أو قومياً أو شرعياً ودينياً.
الغريب في الأمر أننا لم نسمع مثل هذه الحملة المسعورة ضد قادة العدو، لا عند خرق السيادة المصرية من جانب مقاتلات العدو الحربية أثناء العدوان على غزة، والتسبّب في مقتل مواطنين مصريين أبرياء، ولا عندما ارتكب العدو المحارق بحق الرضّع والأطفال والنساء، ولا عند هدم منازل المقدسيّين وطردهم من القدس كمقدمة لتهويدها، ولا عند رفض المبادرة العربية للسلام، ولا عند صدور قرارات بمصادرة آلاف الهكتارات ما بين الضفة والقدس لبناء مستوطنات جديدة عليها، ولا عند رفض أنابوليس وحل الدولتين.
ولم يغضب الرئيس المصري من قادة العدو عند التهديد بقصف السد العالي، ولا عند توجيه إهانة شخصية إليه من ليبرمان، عندما قال له «حسني مبارك اذهب إلى الجحيم»! أما عندما صدرت كلمة بحقهم على لسان الرئيس بشار الأسد، بسبب مواقفهم المخزية من المقاومة في حرب تموز 2006، فالمسألة هنا أصبحت مختلفة، وأخذت الإجراءات تتصاعد من المقاطعة إلى العزلة إلى الضغوط بكل أشكالها. وعندما لم تنفع هذه الحملة لجأوا إلى الأميركيين، ودول الغرب لحثهم على إسقاط النظام السوري.
لهذه الأسباب قاطع عرب الاعتدال مؤتمر القمة العربية في الدوحة، بسبب انحياز قناة «الجزيرة» إلى أطفال غزة الرضّع، الذين كانوا يموتون من القنابل الفوسفورية، التي سقطت عليهم من العدو، أو بسبب منع الغذاء والدواء عنهم، ومطالبة السلطات المصرية بفتح معبر رفح.
الأغرب كيف أن بعضهم لا يزال يسير عن قصد أو عن غير قصد لتعميم الفوضى البنّاءة، من خلال إلقاء اتهامات كاذبة، وتضليل الشعب العربي؛ فتارة يحاولون تخويفه من نشر المذهب الشيعي، وطوراً من خلال إقناعه بأن هناك مَن يعمل لإقامة هلال شيعي بهدف إيقاظ الانتماء السني، للدفع بالمنطقة إلى التناحر والتقاتل، وبالتالي الدمار والخراب. ولم يتورّع بعضهم عن دعم الفئات الضالّة كما يسمّونها لافتعال الفتن المذهبية والطائفية، كما حدث في العراق ولبنان، لكي يسهّلوا لأعداء الأمة السيطرة على ثرواتها ومواردها، ولكي يشعر العدو الصهيوني بالأمان والاطمئنان.
هذا هو المنطق الذي اتّبعوه، وقد سها عن بالهم أن دول الممانعة وحركات المقاومة هي من كل أبناء الأمة، ومن كل طوائفها ومذاهبها وأعراقها، وصبروا على ظلم ذوي القربى ولم ينجرّوا إلى الفتن خوفاً على أبناء الأمة، وخوفاً على وحدة الأمة وعزّتها وكرامتها وقوتها، ويعرفون أن المقاومة وحدها هي الطريق الصحيح لاستعادة حقوق الأمة، ووحدة كياناتها واستقرار أنظمتها، لا استرضاء الأميركي، أو التودّد إلى العدو الإسرائيلي.
نقول للرئيس المصري إن أقدار الشعوب لا يصنعها حكّام ضيعوا فلسطين، ولا يسألون عن سيادة أوطانهم، ولا يتطلّعون إلى معاناة شعوبهم، ويتخلّون عن قضايا أمتهم من أجل مصالحهم الخاصة، فالتجربة أثبتت أن المقاومة وحدها تحفظ الأوطان وكرامة الشعوب وعزتها وشرفها.

* عميد متقاعد