المصنع ــ أسامة القادريعادت الزحمة إلى الحدود السورية ـــــ اللبنانية. هذه المرة، لم تكن الزحمة طبيعيّة في باحة مركز الأمن العام السوري، بل كانت إجراءً استثنائياً اتّخذته السلطات السورية لضبط الحدود البرية، خوفاً من عبور أية حالة تحمل «فيروس أنفلونزا الخنازير» إلى أراضيها. وقد أصدرت هذه السلطات قراراً يفرض على كل شخص يريد الدخول إلى أراضيها الخضوع لفحص من أحد الأطباء المكلفين في دائرة الهجرة والجوازات.
غير أنّ هذا الإجراء الوقائي لم يكن يوازي «الخضّة» التي أحدثها، وخصوصاً أنّ الكشف على العابرين لم يكن فحصاً سريرياً أو مخبرياً، إنّما كان... فحصاً بالأسئلة. تصف هدى (وهو اسم مستعار لمواطنة لبنانية) طريقة الفحص التي خضعت لها، فتقول: «وقف الطبيب خلف الزجاج وسألني: هل تشعرين بدوار؟ بألم في البطن؟ بانحطاط؟ وجع في الرأس؟». تنهي الأسئلة، ثم تنفجر ضاحكة، مضيفة «شو بدي حس بنفس اللحظة؟ قلت له: لا، ما في ألم». ضحكت هدى من الفحص الذي يقتصر على مجموعة أسئلة يطرحها الطبيب المناوب من خلف الزجاج، ليصدر حكمه بالمرض أو عدمه. أبو العلاء العلي لم يضحك للإجراء كما فعلت هدى، فقد أزعجه كثيراً، وخصوصاً «أنّ الفحص اقتصر على غير السوريين». ويقول أبو العلاء غاضباً «أنا لا أعترض على القرار، بل أعترض على آلية تنفيذه، ومن حق السوريين أن يضبطوا حدودهم، بس لازم هالشي يكون عالكل، ليش العمال السوريين اللي قاعدين بلبنان ما بيخضعوا للفحص؟». يخفض نبرته، مستكملاً كلامه «هذا الفحص يؤخّرنا عن عملنا، وإذا في عجقة بنبقى ساعتين وأكتر على هالحال». يضحك سائق الأجرة السوري يزن حاجو، فيقول معلّقاً على كلام العلي «السوري عندو مناعة، ما في داعي لفحصه». ثم يتابع معلّلاً أسباب هذا القرار «مو مشكلة الزحمة، المهم أنو القرار جاي ليحمي المواطن السوري من عدوى انفلونزا الخنازير». كلام حاجو لم يرضِ بعض المسافرين الواقفين عند مدخل المركز، حيث كانوا يشكون من التأخر بإجراء الفحوص «لأن الملكفين به هما طبيبان فقط للنهار وطبيب واحد للفترة الليلية»، كما يشير أحدهم.
لم تكن الشكوى خاصّة فقط بالداخلين إلى سوريا، فقد تعرّض العائدون منها للإجراء نفسه ولفترة الانتظار نفسها. وفي هذا الإطار، يلفت المواطن اللبناني «محسن» إلى أنّها «المرة الأولى التي أخضع فيها لهذا النوع من التفتيش». ثم يعلّق قائلاً «ربما لأنني تاجر، وأزور سوريا بشكل شبه يومي، فلذلك عليهم التدقيق بالأمر». أما المواطن الأردني غسان فلم يكن منزعجاً من الإجراء، إذ أشار إلى أنّه خضع وعائلته لفحص الأسئلة عند الحدود السورية ـــــ الأردنية، وهو «مستعد للخضوع لهذا الإجراء مرّة أخرى، هيك بنطّمّن أكتر».