فاتن الحاجفاتورة إضافية يدفعها المواطن للقطاع الخاص بسبب عجز الإدارة التربوية عن القيام بواجباتها تجاهه. فتلزيم المعاملات الإدارية في وزارة التربية لشركة «ليبان بوست» لا يزال يثير لغطاً، ولا سيما لجهة «الحصرية» التي نصت عليها مذكرة التفاهم بين الوزارة والشركة. هذا المصطلح حمل أكثر من تفسير، إذ ينقل مصدر إداري في الوزارة أنّ أعضاء الإدارة العامة فَهموا بداية من وزيرة التربية بهية الحريري أنّ الحصرية تعني أن يكون إنجاز المعاملات محصوراً فقط بشركة «ليبان بوست» دون غيرها، من دون أن يعني ذلك إلزام المواطن بهذه الوسيلة. لكن التعميم الذي أصدرته الوزيرة في ما بعد دحض هذا التفسير وتبين أن لا خيار أمام المواطن سوى الذهاب إلى مراكز الشركة المعتمدة كلما أراد تصديق شهادة رسمية أو إفادة وظيفة أو إفادة راتب أو إفادة خبرة لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، أي عملياً معظم الإفادات الأساسية التي تحتاج إلى تصديق. أما السبب المعلن للاتفاق فهو تسهيل أمور الناس، وخصوصاً أنّ من بين هؤلاء من يضطر إلى اجتياز مسافات طويلة للوصول إلى المنطقة التربوية وما يترتب على ذلك من عناء في الوقت والمال. لكن القرار يغفل أنّ هناك من يسكن على بعد أمتار قليلة من إدارات الوزارة ويستطيع أن ينجز معاملته في خمس دقائق بدلاً من خمسة أيام، وهو الحد الأقصى الذي يحدد لتسلم المعاملة. هذا إذا أنجزت المعاملة ولم تعرقل، كما حصل مع رياض قانصوه. فالأستاذ المتقاعد لم يسمع بالصيغة الجديدة لإنجاز الإفادات، ويروي أنّه ذهب «يا غافل إلك الله» إلى المنطقة التربوية في بعبدا لتصديق إفادة راتب وإفادتين جامعيتين لابنتيه، ففوجئ بجواب الموظف: «هودي ما بيتصدقوا عنا، بدك تروح عالليبان بوست». فما كان من الرجل إلاّ أن فعل ما طلب منه وقصد أقرب مركز للشركة وقدم المعاملات في ثلاثة مغلفات مختلفة، بينما لم يلفت أحد نظره إلى أنّه يستطيع أن يقدمها في معاملة واحدة ويدفع 5500 ل.ل بدلاً من 16500 ل.ل. أما المفاجأة الكبرى، فكانت بعد 5 أيام، حين تسلم قانصوه المغلفات، إذ وجد أحد المغلفات فارغاً، فيما بقيت الإفادتان الأخريان من دون تصديق، ما سيضطر الرجل إلى إعادة المحاولة من جديد وتكبّد تكاليف إضافية.
تفتح هذه الحادثة على الغموض في آلية تطبيق الاتفاق، فلم تقم الوزارة حتى الآن بأي حملة لإعلام المواطن بالصيغة الجديدة لإنجاز معاملاته، ولم تنظم أي دورة تدريبية لموظفي «ليبان بوست» الذين يعانون ارتباكاً، إذ ليست لديهم فكرة عن أنواع المعاملات التي سيستقبلونها وكيف سيملأون الطلبات والأوراق المطلوبة وغيرها من التفاصيل.
إلى ذلك، تساءل نقابيون عما إذا كان اللجوء إلى خصخصة المعاملات الإدارية هو تغطية سياسية لعدد من الموظفين المكلفين بمعاملات البريد ويتقاضون رواتب وعددهم نحو 120 مندوباً، فيما هم يقصّرون في القيام بهذه المهمة. وإذا كان الإصلاح الإداري الذي هو إصلاح سياسي بالدرجة الأولى بعيد المنال في المدى المنظور، سأل هؤلاء، «فلماذا لا يكون الإجراء اختيارياً وتُترك للمواطن الحرية في متابعة معاملته بالطريقة التي تناسبه؟».


مضمون الاتفاق

وقعت وزارة التربية وشركة «ليبان بوست» مذكرة تفاهم بتاريخ 30/1/2009 تقضي بتلزيم الشركة المعاملات الإدارية التي كانت الوزارة تتولى تنفيذها. وحددت المذكرة أنواع المعاملات المعتمدة حصرياً عبر «ليبان بوست»، وهي الإفادات الأساسية (الرسمية والخاصة). أما المعاملات المعتمدة اختيارياً فتتعلق بإفادات تتعلق بالدراسة وفق المنهج الأجنبي. وهنا يعود لأصحاب العلاقة أن يقدموا طلباتهم في أحد مراكز شركة «ليبان بوست» أو في الوحدة المعنية في الوزارة. ويرتب الاتفاق أن تسدد إدارات المدارس مبلغ 192 ألف ليرة لبنانية سنوياً مقابل الخدمات التي تقدمها الشركة مباشرة إلى المدرسة.