وباء «إنفلونزا» الخنازير لا يزال يمثّل تهديداً عالمياً كبيراً، أصاب المرض بحسب الأرقام الرسمية نحو 8500 شخص في 39 بلداً، العمل جارٍ في مختبرات عالمية لإنتاج لقاح ضده، وثمة أمل بأن يخرج فريق من فيينا بنتيجة مرضية قريباً، وذلك بعدما عجز اللقاح الكلاسيكي عن الوقاية من فيروس H1N1

غادة دندش
أكّد البروفيسور في علم الجراثيم في جامعة فيينا توماس ماستر أنه يقوم بأبحاث قد تسمح، في القريب العاجل، بالحصول على لقاح يحمي من الإصابة بمعظم أنواع الإنفلونزا، حتى الجديدة والوبائية منها. هذا اللقاح الذي يسعى ماستر إلى إنتاجه يكتسب أهمية كبرى بعدما أثبتت التجارب المتكررة مع فيروسات الإنفلونزا الوبائية أن اللقاح الكلاسيكي يحتاج إلى أشهر حتى يُتوصّل إليه، قبل أن يصبح جاهزاً للاستخدام على البشر. والتجربة الأخيرة، أي تجربة إيجاد لقاح لفيروس H1N1 أكبر دليل على ذلك. فحتى اليوم يعجز العلماء عن إنتاج لقاح يحمي من هذا «الوباء» الذي أودى بحياة العشرات خلال الشهرين الماضيين.
اللقاح الكلاسيكي عبارة عن فيروسات المرض «المزروعة» في بيض الدجاج، التي يجري القضاء على قدرتها على التكاثر، أو كما يقول العلماء «قتلها»، لكن دون المساس بقدرتها على تفعيل جهاز مناعة الجسم البشري. هذا الأسلوب في إنتاج اللقاحات فعّال ودقيق، وقد اعتمده العلماء منذ البداية وحتى اليوم. لكنّه يحتاج إلى أشهر طويلة لاستكمال جميع المراحل الضرورية التي لا بدّ أن يمرّ بها قبل أن يصبح قابلاً للاستخدام على البشر.
هناك أسلوب ثانٍ اعتمده الدكتور سوريش ميتال وهو استيلاد فيروس لقاح إنفلونزا الطيور انطلاقاً من فيروس زكام عادي. هذا الأسلوب يعتمد على عدم قدرة الهجين الجديد على التكاثر، لكن مع المحافظة في داخله على جين الفيروس H5N1 المسبب لإنفلونزا الطيور، وهو يؤمّن المناعة لدى الإنسان من إنفلونزا الطيور. إن استيلاد الفيروسات اللقاحية بهذه الطريقة يسمح للعلماء بتأمين لقاحات فعّالة، لكنّها تحتاج إلى الوقت نفسه الذي تحتاج إليه العملية الكلاسيكية في إنتاج اللقاحات.
يترأس ماستر المشروع الأوروبي Fluvacc الذي يموّله الاتحاد الأوروبي، والذي يختصّ بدراسة حالات الإنفلونزا في العالم وبإيجاد اللقاحات المناسبة لها. ويهدف ماستر إلى التوصّل، من خلال أبحاثه وتجاربه، إلى إنتاج فيروس خلال بضعة أيام يكون قادراً على محاربة أي نوع من الإنفلونزا الوبائية بعد ظهورها بقليل. كان ماستر قد أكّد خلال مؤتمر عقده في براغ أخيراً أن «فلوفاك» قادرة على إنتاج لقاح خلال مرحلة لا تتعدّى في حدّها الأقصى الثلاثة أسابيع، وأضاف أنهم ينتظرون فقط توافر عيّنات كافية من فيروس H1N1. أما سرّ سرعة هذا الأسلوب الإنتاجي الجديد، فيكمن في أن العلماء يستهلّون عملهم على الفيروس بالتلاعب بجيناته بما يقضي على قدرته في التسبّب بالمرض، أي إنهم «يستأصلون» البروتين NS1 أولاً، ويزرعون بعد ذلك الفيروسات الهجينة في البيض من أجل الحصول على أعداد كبيرة منها. وخلال بضعة أيام فقط يمكن الحصول على اللقاح الذي يُستخدم بشكل رذاذٍ عبر الأنف.



لقد جُرّب هذا اللقاح على 48 متطوّعاً، وأظهرت الفحوص التي خضع لها هؤلاء أن جهاز المناعة لديهم بدأ يتفاعل مع اللقاح. وأظهرت النتائج قدرة هذا اللقاح على بناء مناعة الجسم ضدّ شريحة أوسع من الفيروسات بالمقارنة مع اللقاح الكلاسكي. ويؤكّد ماستر أن هذه المناعة تبقى فاعلة في حال الإصابة بفيروس جديد. ينتظر ماستر وفريقه الحصول على عيّنات من الفيروس الجديد H1N1 لإثبات قدرتهم على إنتاج لقاح لهذا الوباء خلال مهلة لا تتعدّى الثلاثة أسابيع.
فيروس إنفلونزا الخنازير الذي أرعب منظمة الصحّة العالمية، بسبب سرعته وطريقة انتشاره، أصاب حتى اليوم الآلاف في نحو 39 بلداً مختلفاً. وما زال تأمين اللقاح له متعثراً رغم خوف المعنيين من تجدّد انتشاره بقوّة وأكثر خطورة. وكانت البروفيسورة كلير آن سيغريست رئيسة قسم اللقاحات في جامعة جنيف قد أعلنت عبر إذاعة «راديو سويس» في الرابع من الجاري، أن الحلّ المتوافر الآن هو استبدال أحد الأنواع الثلاثة من الفيروسات الموجودة في لقاح الإنفلونزا الموسمية بطبقة من فيروس H1N1 المخفّف، لكنها أضافت أن اعتماد هذه الطريقة التي هي الأبسط لن يسمح بإنتاج اللقاح قبل مرور أربعة أشهر.
من جهة ثانية، يواجه العلماء إشكالية كبيرة وصفها برونو لينا رئيس المركز الوطني لمتابعة حالات الإنفلونزا في ليون بالـ«كورنيلية» المأساوية. وهي تكمن في اختيار أي لقاح يجب أن يُركّز على إنتاجه بكمّيات كافية؟ اللقاح الموسمي الذي يحمي نسبة كبيرة من كبار السنّ والمصابين بحالات ضعف المناعة، من الموت؟ أم اللقاح الذي يحمي من الإصابة بفيروس H1N1 الوبائي؟ وأكّد لينا أن المختبرات عاجزة عن إنتاج اللقاحين وأنه لا بدّ من اتخاذ القرار قبل بداية موسم الإنفلونزا التقليدية. وأضاف أن منظمة الصحة العالمية هي الوحيدة المخوّلة اتخاذ مثل هذا القرار وأن مختبرات الدواء ما زالت بانتظار القرار الرسمي للمنظّمة الذي لم يصدر بعد.