Strong>ترافق فكّ حجز الضباط مع مطالبات بمحاسبة المسؤولين عن اعتقالهم تعسّفياً. لم يرد عن لسان القضاة أي تعليق، لكنّ الصمت في أروقة قصر العدل مستحيل، وخصوصاً عندما يتعلّق الموضوع بظلم وادّعاء بظلم مقابلالقضاة محكومون بالصمت وعلى المحكمة الدولية الخاصة أن تكشف، إذا أرادت، عن الأدلة التي اعتبرها القضاء العدلي، بحسب القانون اللبناني، كافية للاشتباه في ضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. هذا ما شرحه أمس عدد من القضاة في قصر العدل في بيروت، وبدت في ملامح وجوه أكثرهم علامات حزن واستياء مما ورد في الإعلام من «محاولات للنيل من كرامة القضاة» (كما قال أحدهم). و«إذا كانت هناك حاجة إلى المحاسبة، فإن المؤسسات القضائية وحدها هي التي تبتّ ذلك، وكلّ ما يرد من خارج المؤسسات من كلام عن المحاسبة يكون تعسّفياً». وكانت وسائل إعلام قد نقلت عن سياسيين، من بينهم نواب، مطالبتهم بمحاسبة بعض القضاة المختصين بالملفّ، بعد فكّّ حجز الضباط الأربعة، اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان، بأمر من قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دانيال فرانسين في 29 نيسان الفائت، إذ إن كلاماً ورد عن لسان فرانسين مفاده أن المعلومات التي كانت في حوزة المدّعي العام الدولي «تنقصها الصدقية»، ما اعتبره البعض إشارة إلى «تدخلات سياسية في عمل القضاء دفعته إلى اعتقال الضباط تعسّفياً».
الضباط الأربعة كانوا قد احتجزوا في آب 2005 بناءً على توصية من رئيس لجنة التحقيق الدولية في القضية القاضي الألماني ديتليف ميليس. ولا بد من الإشارة هنا إلى النفوذ الذي كان يتمتّع به ميليس في لبنان، إذ حظي بدعم جماهيري وسياسي محلي وعربي ودولي شبه مطلق تجلّى في منح اللجنة التي يرأسها امتيازات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1336 (31 تشرين الأول 2005).
القضاة اللبنانيون يسألون: من المسؤول عن مراجعة التحقيقات التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية خلال عام 2005؟ ويؤكدون أن كلّ ما كان لديهم أحيل إلى مكتب المدّعي العام الدولي دانيال بلمار. وينفي القضاة حصول تجاوز لمذكرة التفاهم لجهة إطلاع القضاء رئيس لجنة التحقيق على المعلومات التي جمعها المحققون اللبنانيون.
وكان مجلس القضاء الأعلى، الذي يمثّل أرفع هيئة قضائية لبنانية، قد رأى إثر انعقاده بدعوة من الرئيس الأول لمحكمة التمييز القاضي غالب غانم في 5 أيار الفائت، بحضور أعضائه القضاة نعمة لحود وميشال طرزي وعبد اللطيف الحسيني وفريال دلول ومروان كركبي، أن ثمة اختلافاً بين القواعد القانونية المطبّقة في لبنان وتلك المحددة في الأصول الإجرائية العائدة إلى المحكمة الخاصة بلبنان، ما قد يكون من شأنه التأثير على المعايير المعتمدة وعلى القرارات المتخذة في هذا المضمار. لكنه أكّد استعداده لتحمّل المسؤولية في مواجهة أي خلل في الممارسات القضائيّة، و«لإعمال قواعد المحاسبة التي يمكن أن تطال أي قاض مخلٍّ بمناسبة النظر في أي قضية من القضايا، ولمتابعة الأمور المطروحة حتى نهايتها في وجه أي قاضٍ معني، وذلك في إطار أحكام الدستور ومبادئ حقوق الإنسان والقوانين المرعية والمؤسسات القضائيّة القائمة».
في أي حال، يبقى «القرار في يد السلطة الإجرائية في كثير مما يتعلق بشؤون الهيكلية القضائية عبر صلاحيات التعيين والتشكيل والترفيع، الأمر الذي يُبقي يد السلطة السياسية ممدودة للتدخل في سير القضاء»، بحسب ما ورد عن الرئيس سليم الحصّ.
(الأخبار)