«أهلي يفضّلون إخوَتي عليَّ» جملة يرددها أولاد يشعرون، بسبب ظروف معينة، بأن أهلهم يميزون أشقاءهم أو شقيقاتهم عنهم، وهذا التمييز قد يشمل طريقة تعامل الأهل مع الأولاد، أو محبتهم لهم والعطف عليهم. فهل يفضّل الأهل فعلاً ولداً على آخر إن بشكلٍ واع ٍأو غير واعٍ؟ أم أن الطفل يشعر بأن أهله لا يفضّلونه ولا يحبونه؟ وما الذي يدفع الطفل إلى التفكير في مثل هذه الأمور؟ وكيف يؤثّر ذلك سلباً فيه؟

دعاء السبلاني
تنظر أميرة خ. (14 عاماً) إلى أخيها أحمد، الذي يصغرها بعشر سنوات، وهو ينتقل من حضن والدها إلى حضن والدتها التي تقول له «يقبروني الصبيان شو حلوين وبيفهمو»، نظرة ملؤها الحقد والحسد، وتتمنّى لو لم يولد الأخ، ثم تستدرك قائلةً «لن يتغير شيء، لا أذكر أنني دُلّلت مثله». تعاني أميرة مشكلة والدَيها اللذين «يفضّلان أخي الصغير عليّ، ويحبّانه أكثر مني لأنه صبي، كثيراً ما انتظرا ولادة صبي يحمل اسم العائلة، ويساندهما في شيخوختهما»، وتتابع «لا أجد وقتاً ولو صغيراً للتحدث إلى أمي أو أبي عمّا يواجهني من مشاكل، إنهما مشغولان باللعب مع أحمد، يأخذانه إلى مدينة الألعاب أو الحديقة، أو إلى السوق لشراء الألعاب والملابس، يحضنانه ويقبّلانه بينما لا أستطيع أن أقترب منهما». تسمع أميرة أهلها يردّدان: «أحمد سند ظهرنا»، وتعترف المراهقة السمراء «في بعض الأحيان أحسده، وأتمنّى لو كنت ذكراً كي أحظى بمثل معاملة أهلي له».
الدكتورة بهاء يحيى، المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية، تقول إن حالات تمييز بين الذكور والإناث ما زالت قائمة في مجتمعاتنا الشرقية، وخاصةً في لبنان ـــــ رغم التطور التقني والمهني ـــــ وذلك «على اعتبار أن الذكر يحمل اسم العائلة، ويساعد في العمل والإنتاج. في هذه الحالة، عندما ترى الفتاة أخاها الأصغر أو الأكبر يُعامل بطريقة مميزة لأنه ذكر فقط، تتولّد عندها مشاعر كثيرة، كالإحباط والنقمة، وتؤدي إلى ردود فعل نفسية خطيرة». وتؤكد يحيى «عندما تكون الفتاة صغيرة، يمكن أن تكبت غيرتها وتترجمها بردود فعل كالتراجع في المدرسة لإغضاب الأهل، وقد تكون سلوكية كالانطوائية. وستمتدّ ردود الفعل لتشمل في المستقبل علاقتها بالجنس الآخر، التي تشوبها علامات استفهام».
من جهة ثانية، تلفت يحيى إلى أن الوالدين قد يفضّلان الفتاة إذا كانت الأنثى الوحيدة بين أولادهما، فتصبح هي مركز الدلال الزائد، الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية.
مع الطفل البكر، يكوّن الأهل تجربة التربية، يخافون عليه ويحاولون حمايته بطريقة مفرطة، وتشير يحيى إلى أن الأهل سينظرون إليه دائماً على أنه الكبير، وتُطلب منه مسؤوليات لا يستطيع القيام بها، وتضيف المعالجة النفسية «عندها يشعر هذا الولد بأن أهله يدلّلون إخوته، ويحرمونه بعض الأشياء على اعتبار أنها لإخوته الأصغر منه، بينما هو ما زال في مرحلة الطفولة»، ووفق يحيى فإن «هذا الأسلوب يولّد لدى الطفل الأكبر مشاعر الغيرة والانتقام والعدوانية التي تصل أحياناً إلى حدّ إيذاء إخوته. وعلى الصعيد النفسي، فإن تمييزه عن إخوته يُشعره بالقهر والإحباط والتراجع الدراسي، ويؤثر في علاقته برفاقه والآخرين فيصبح تسلطياً وعدوانياً لأنه لا يستطيع أن يكون كذلك داخل المنزل... وفي سن المراهقة تمرّ المرحلة في علاقة متأزمة نكدية مع الأهل «ليثأر» من معاملتهم له.
هناك أيضاً حالات يجري فيها التمييز بين الطفل الصغير والكبير، وبين الطفل الأوسط وإخوته الأكبر والأصغر منه».
يقول حبيب ن. (7 أعوام) «أهلي يقولون لي أنت صغير لا تدخل نفسك في أمور لا تخصك، وهذه مسؤوليات لا تستطيع القيام بها، بينما يطلبون من أخي الكبير المساعدة في كل شؤون المنزل والاهتمام بي، لذلك أنا لا أحبه لأنه يفعل كل شيء، وأنا أخاف منه». يشعر حبيب بأنه مُهمل من جانب أهله، الذين لا يحدّثونه بما يجري حولهم من شؤون ومشاكل عائلية لأنه، كما تقول والدته، لا يفهم مثل هذه الأمور، وليس بالضرورة أن يعلم بها لأنه ما زال صغيراً.
سليم ع. (10 أعوام) يقول «أختي الصغرى مدلّلة والاقتراب منها أو إزعاجها غير مسموح به، وأخي الأكبر سلطته قويّة وكلمته تُنفَّذ على الفور لأنه مسؤول عنا». يشعر سليم بأن أهله لا يهتمون به، فهم يصرخون في وجهه بسبب أية مشكلة.
تذكر يحيى أن «الطفل الصغير يخاف من أخيه الأكبر لأنه يشعر بأن أهله يعطونه سلطة ويعتمدون عليه. أما الطفل الأوسط، فيغار من الصغير لأنه مدلّل ويحصل على ما يريد، ويغار من الكبير الذي يمتلك السلطة». وتلفت يحيى إلى أن الطفل الأوسط يتأرجح بين الكبير والصغير، فيأخذ حس المسؤولية عن الكبير، ويطلب القليل من اهتمام الأهل، فيصل إلى صيغة توازنية مع ذاته ومع الآخرين، وهذا ما تظهره الدراسات أيضاً.
لا تعتقد المعالجة النفسية أن الأهل يتقصّدون ـــــ على الصعيد الواعي ـــــ التمييز بين أبنائهم، ولكن على الصعيد اللاواعي فإن العلاقة الزوجية المتوترة أحياناً تؤدي إلى نفور الأم من طفلها الذي يشبه والده مثلاً. كذلك فإن تصرفات الطفل وسلوكه تفرض على الأهل معاملته بطريقة مختلفة عن إخوته.


احترام كيان الطفل

تنصح الدكتورة بهاء يحيى الأهل بأن يدركوا أنه لا وجود لطفل يشبه آخر، لكل واحد شخصيته وطباعه وهيأته، رغم القواعد المشتركة بين الإخوة، فهم تربّوا في بيت واحد. ودعت يحيى إلى التخفيف من التمييز غير المقصود بين الأبناء، وعليهم أن يتنبّهوا إلى كيفية التواصل مع أولادهم؛ يعانقونهم ويتحدثون معهم، لا يشتمونهم إذا كان أحدهم مقصّراً في دراسته، ولا يطلبون منه أن يكون مثل إخوته المتفوّقين. وتطلب يحيى من الأهل احترام كيان الطفل ذكراً كان أو أنثى، إضافةً إلى الانتباه ليس فقط للتعبيرات اللفظية عند الأطفال بل أيضاً لسلوكياتهم، ففيها رسائل تظهر معاناتهم، وقد تتطوّر هذه الإشارات إلى ردود فعل وخيمة، كالهروب من المنزل، وإدمان المخدّرات لينسى واقعه، والانتحار