محمد زبيبقرّرت قوى 14 آذار أن «الجمهورية الثالثة» تعني حكماً إحلال «صيغة المثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين محل صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، التي توافق عليها اللبنانيون في الميثاق والدستور»... القرار نهائي! هكذا تسير «اللعبة» عندما تكون الحياة السياسية خاوية إلى هذا الحدّ، إذ يكفي أن تقتنع بأن الناس كلهم أغبياء، فلا تضطر إلى أن تقدّم لهم أكثر من خطاب تافه يتوسّل التشابه اللفظي بين كلمتي «الثالثة» و«المثالثة»، بهدف الانقضاض على الفكرة المطروحة، ولو كشعار انتخابي، وإعدام أي فرصة لمناقشتها بذريعة أنها ترمي إلى إعادة توزيع الحصص الطائفية، حتى وإن كانت ترمي إلى العكس تماماً.
في الواقع، ليس كل المتهمين بـ«الجمهورية الثالثة» يسعون إليها. وحده التيار الوطني الحر اختار هذا الشعار لخوض معاركه الانتخابية الطاحنة. وهو، على أي حال، لم يدّع امتلاكه لبرنامج يحقّق هذه الجمهورية المزعومة، بل ادّعى امتلاكه برنامجاً انتقالياً من «الجمهورية الثانية = الطائف» إلى «الجمهورية الثالثة» التي تبدأ معالمها بالظهور بعد تطبيق «كل مواد الدستور اللبناني التي تعزّز الصفة المدنية للدولة، وتطوير هذه الصفة، بما يتوافق عليه ممثّلو الشعب اللبناني».
هذا، على الأقل، ما يقوله التيار في برنامجه المعنون «نحو الجمهورية الثالثة»، ويلتزم فيه بالعمل على إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، واحتفاظ المواطن بحقّه في اختيار القانون المذهبي عند بلوغه الثامنة عشرة من عمره، ووضع تشريع يعترف بالفئة من اللبنانيّين التي ترغب في أن تكون علاقتها بالدولة مباشرةً، لا من خلال طائفة أو مذهب... كما يلتزم بالعمل على تطبيق البند (ح) من مقدمة الدستور، والمادة 95 منه، لإلغاء الطائفية السياسية، وتأليف الهيئة الوطنية، والعمل أيضاً على تطبيق المادة 24 منه لوضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي يعتمد على مبدأ النسبية، وكذلك العمل على تطبيق المادة 22 لاستحداث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه الطوائف للنظر في القضايا المصيرية.
هذا ما يطرحه التيار الوطني الحر، وهو ما نصّ عليه اتفاق الطائف أصلاً، ولم تلتزم به كل القوى السياسية التي تتهمه اليوم بالسعي نحو «المثالثة». فهل هذا هو المفتاح لفهم أسباب الغضب غير المبرر على شعار «الجمهورية الثالثة»؟