قاسم س. قاسمتستقبلك صورة كبيرة للسيد حسن نصر الله لدى دخولك منزل أهل هيثم السحمراني، الذي قُبض عليه وزوجته بتهمة التعامل مع إسرائيل، في منطقة المنشية في برج البراجنة. تؤكد الوالدة سهام الصعبي أن الصورة معلّقة منذ حرب تموز، ولم توضع حديثاً «لإظهار الحب لنصر الله أو لأن ولدي متهم بالتعامل مع إسرائيل. بل لأنني صدقاً أحب السيد: ومين في ما يحبوا»؟، تسأل المرأة الستينية وهي تقبّل الصورة.
العائلة التي توافق على الكلام مع «الأخبار» تشترط «أن لا يجري تصوير الحديث مثلما فعلت بعض الوسائل الإعلامية». نوافق، فتعدّل السيدة جلستها لتقول: «ابنتي ساحرة هي سبب البلاء». «كيف؟»، تجيب: «هربت مع محمد أمين، عميل من جيش لحد، إلى الأراضي المحتلة ومن وقتها بدأت المشاكل». هروب ساحرة، كما تشرح الوالدة، في اتجاه الأراضي المحتلة لم يكن سهلاً. فشقيقة السحمراني الصغرى كانت قد تعرضت للضرب من قبله بعدما «تطاولت على زوجها الأول» ما سبّب كسر ضلعين في صدرها. عندئذٍ قررت أخذ أولادها من زوجها والهرب عام 2000 مع أمين في اتجاه فلسطين المحتلة.
قبل حرب تموز أعادت ساحرة تواصلها مع شقيقها «الذي لم يُعلم والده بالأمر خوفاً على صحته» كما تقول الصعبي. لكن بعد توقيف هيثم بعشرة أيام اتصلت الابنة بوالدتها وقالت لها: «متذكرة لما ضربتوني بالبيت، ردّيتلكم الضربة بعشرة، وهيك ما رح تنسوني مدى العمر». تتوقف السيدة عن الكلام، تمسح دمعتها وتقول «الله لا يوفقها، فضحتنا مرتين. أول مرة لما هربت على فلسطين وثاني مرة بقصة هيثم».
تتذكر المرأة لحظات تسليم ولدها نفسه لفرع المعلومات رافضة القول إنه «جرى القبض عليه، بل هو من سلّم نفسه». تقول إنها اتصلت به نهار الأربعاء ليحضر الدواء لوالده، بعد عشر دقائق اتصل هو «ليخبرني أنه ذاهب إلى مديرية فرع المعلومات، وطلب مني التوجه إلى منزله». هناك، تصف الوالدة المشهد: «كان المنزل مطوّقاً من جانب عناصر الجيش وفرع المعلومات، وكانوا عم يفتشوا بالبيت». أما بالنسبة إلى زوجته فقد «أخذها الجيش بعد ثلاثة أيام بكل احترام». تصمت السيدة لترد على الهاتف، على الطرف الآخر شقيق هيثم من الإمارات، «لا يا إمي ما عارفين شي (...) عم نتابع أخبارو على التلفزيون (...) لا يا أمي ما وكّلنا محامي (...) إن شاء الله يا ماما»، وتقفل الخط. تستأذن المرأة ثم تعود محمّلة بثياب ولدها وأبنائه: «هيدول تياب عميل أو ولاد عميل»؟ مشيرةً إلى الأجزاء الممزقة فيها. لا تزال أم هيثم تحت وطأة الصدمة، «أقف أحياناً أمام المرآة وأسأل نفسي: معقول أنا خلّف عميل»؟
نترك منزل العائلة ونتوجه إلى منزل السحمراني في منطقة جامع العرب. هناك كان الجميع يريد التحدث، أوّلهم جاره شريف شمس الدين «عم تسأل عن هيثم؟ أنا صاحبو اللزم، إحكِ معي». لكن لشمس الدين شرطه أيضاً، وهو كتابة ما سيقوله حرفياً والسبب «أجرت إحدى المحطات مقابلة معنا وعندما تكلمنا عن هيثم بالمنيح ما نشروها». يقول الرجل ما يعرفه عن السحمراني «كان يستيقظ الساعة 12 ظهراً ويأتي إلى منزله 12 ليلاً: أمتين كان يشتغل «عميل»؟»، رافضاً قبول فكرة عمالة السحمراني «كنا نسهر سوا ونلعب ورق، كيف عميل وما معو مصاري، كان يتديّن من الكل». يصمت شمس الدين ويصرخ لعناية العرب «صحافة عم تسأل، عن هيثم إحكي ضميرك يا عناية». تلبي العرب النداء «آخ منك يا هيثم... هيثم مثل ولدي، قلبه طاهر وطيب، وزوجته كتير عاقلة، معقولة يكون عميل»؟ خاتمة حديثها بالدعاء: «ان شاء الله تظهر الحقيقة والله يفكّ أسرو».


من اللحظة الأولى

اعترف هيثم السحمراني بأنه تعامل مع العدو الإسرائيلي في عام 2004. هذا ما أكده مسؤول أمني رفيع لجريدة «الأخبار»، موضحاً أن السحمراني «زار إسرائيل بعدما طلبت منه شقيقته لقاءها في تركيا، وانتقل معها من هناك إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة للقاء مشغّليه». وخلال الساعات الـ24 الأولى من التحقيقات معه اعترف بأنه تسلّم من الإسرائيليين مبلغ 25 ألف دولار، ليتراجع في المرحلة الثانية من التحقيق ويقول إنه تقاضى مبلغ مئة ألف دولار.
يضيف المصدر إن السحمراني كان على تواصل مع الإسرائيليين خلال حرب تموز عبر الهاتف، وقد حدّد أماكن عدة تعرضت للقصف في الضاحية الجنوبية، أما زوجته، فقد اعترفت بأنها كانت تعلم بتعامل زوجها مع الإسرائيليين منذ اللحظة الأولى حتى توقيفه.