رامي زريقفيما يغوص لبنان واللبنانيون في وحول انتخابات طائفية، لا حرية فيها ولا ديموقراطية، معروفة النتائج وسخيفة البرامج، لا يزال العالم يتابع دورانه، ولا تزال أخبار الحرمان والمآسي والبطولة تأتينا من غزة. فالحصار الوحشي المستمر منذ 2007 والذي توّج بهجوم همجي على أرض البرتقال والفقراء، لا يزال قائماً، بموافقة وتواطؤ ملوك العرب ورؤسائهم وفراعنتهم. غابت غزة عن الصفحات الأولى للجرائد واستبدلت بأخبار إنجازات تجار الدم والدين والأوطان. لكنّ مآسي غزة الفلسطينية لم تختفِ. فهي كابوس حقيقي لا ينتهي مع الصباح، يمتدّ على مدى أيام، لا بل أشهر وسنين. تفتقر غزة اليوم إلى كل شيء: فالمعدات التي يحتاج إليها المهندسون لإصلاح محطات إنتاج الطاقة وشبكات المياه والصرف الصحي لا يسمح بإدخالها خوفاً من أن تتحول «سحرياً» إلى منصات صواريخ وقنابل كيميائية. من نتائج هذا العقاب الجماعي حرمان عشرات الآلاف من السكان من المياه، ما أدى إلى ارتفاع عدد الأمراض المعدية، بما فيها مرض «الصفرا» الفيروسي الذي ينتقل مع المياه الملوثة. يعاني الأهالي، وخاصة الأطفال، سوء التغذية المزمن، لأن معظمهم يقتاتون اليوم من الخبز مع بعض الحبوب، بعد مضيّ شهور عدة على حرمانهم من اللحم، ما أدّى إلى تفشّي مرض فقر الدم. ويبدو أن تجويع غزة جزء من الخطة الصهيونية، إذ أحرق جيش الإرهاب الإسرائيلي عشرات الدونمات من القمح والشعير في جنوب شرق القطاع.
في غزة المدمرة، لا طعام ولا ماء ولا كهرباء ولا حديد ولا أسمنت لإعادة الإعمار. لذلك، لجأ الأهالي إلى أساليب جدودهم، وصنعوا من الطين طوباً، ومن الطوب شيّدوا بيوتاً نمت في تربة مشبعة بقصص الأطفال ودماء الأبرياء ليلتحموا بأرض فلسطين التي يرفضون نسيانها.