عشية ذكرى التحرير في 25 أيار 2000، نتذكّر بعض المحطات الحدودية الجنوبية، «معتقل الخيام» و«بوابة فاطمة» و«مقام العبّاد» وغيرها من الأماكن التي تلت هذا التحرير، لتتحول محجة للزائرين ومقصد الوفود من مختلف المناطق اللبنانية والدول العربية
كامل جابر
المواقع «الحدودية» اليوم لم تعد بالصخب عينه الذي كانت عليه بعد التحرير مباشرة، وإلى سنوات قليلة خلت. قبل عدوان 2006 كانت المنطقة لا تكاد تتسع هي وطرقاتها وحاراتها ومرابعها السياحية والتجارية لزحام الوفود، وخصوصاً في مناسبة التحرير.
كانت قوافل «حجّاج» التحرير، تبدأ بالتوافد فرادى وزرافات في سيارات وحافلات ومواكب، منظمة أو عشوائية، أو بفعل ارتجال، على مدى أيام الأسبوع الذي يسبق الذكرى. بوابة فاطمة ومقام العباد وغيرهما من الأماكن التي تحولت إلى ما يشبه المعالم السياحية، تضاف إليها بعض المحطات الحدودية، في بعض السهول، كسهل الخيام من ناحيته الجنوبية المتاخمة لمستعمرة المطلة، أو على مدارج قرية الوزاني رفيقة النهر الذي ينبع من لبنان ويتابع نحو فلسطين المحتلة، وصار يغصّ بعد التحرير بالمتنزهين من كل المطارح، بعدما نشأت على جهته الغربية، من الناحية اللبنانية مجموعة من المتنزهات والاستراحات التي تقدم المأكولات والأطعمة المحلية، واشتهرت بلحوم الخراف والماعز التي تذبح طازجة أمام أعين الزبائن، قرب النهر. وكانت بعض قوافل الزائرين، تقصد البلدة والنهر، فقط لتراقب ما يحدث في الشطر الآخر، خلف النهر، أي في قرية الغجر، وعلى بيوت القرية المتلونة بلونين لا ثالث لهما، هما الأبيض والرمادي، وخصوصاً أن قسماً من هذه القرية، يفترض أن يعود للسيادة اللبنانية.
كانت تسجل دائماً «عجقة» لافتة، على جوانب الطرقات المطلة على البساتين والمواقع الإسرائيلية خلف الأسلاك الشائكة المسيّجة لمستعمرتي المطلة ومسكاف عام، بين الخيام وكفركلا والعديسة، فضلاً عن أهمية سلوك هذه الطرقات في الزيارات التقليدية والواجبة لأبناء القرى الحدودية إلى بلداتهم وقراهم. وتتجلى الزيارات كلها وتسجل قمة زحامها، في 25 أيار.
لكنّ ثمة تبديلاً نوعياً وتدريجياً بدأ يطرأ على مجمل المحطات، تقلص الحراك السياحي الموسمي والعاطفي تجاهها. وقد أدى العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 إلى حرمان الكثير من أبناء المنطقة من بيوت كانوا يقصدونها للمبيت فيها أو لاستقبال ضيوفهم، فضلاً عن أن سوء حال الطرقات نحو هذه المناطق الجنوبية كان عاملاً مساعداً في تراجع الزيارات أو عبورها بوصفها مسالك للسياحة والتنزه.
الكثير من المؤسسات الاقتصادية التي نشأت غداة التحرير، اضطرت مع الجمود الاقتصادي العام، وتراجع حركة البيع والشراء في المنطقة، بعد تدني أعداد الزوار بحدة إلى غلق أبوابها.
أما أكثر هذا التبديل، فأتى بسبب ما تعرض له معتقل الخيام من تدمير منهجي قوّض زنازينه وقاعاته وباحاته، وغيّر معالمه، ولم يبق إلا بعض الزوايا والأطلال؛ فمعظم الزنازين تحولت أشلاء وبقايا. وحده عمود التعذيب يبقى منتصباً، بعدما غابت كل المعالم حوله.
جاءت عملية إعادة توزيع قوات «اليونيفيل» وانتشارها، ثم انتشار الجيش اللبناني بعد حرب تموز، تنفيذاً لبعض بنود القرار 1701 الذي أعاد فتح الطريق نحو «بوابة فاطمة» على امتداد 1400 متر، وكانت غاية هذا الطريق بعد التحرير استقبال الوفود اللبنانية والعربية. كان الزوار يفرحون برشق المواقع الإسرائيلية خلف الأسلاك الشائكة الواقعة على جانبي «بوابة فاطمة» في مستعمرة المطلة بالحجارة والحصى والقاذورات وما وقعت عليه أيديهم. ومن أبرز راجمي هذه المواقع المفكر الراحل إدوار سعيد ورئيس بلدية بيت لحم بسام الشكعة وغيرهما.
أما مقام العباد، المنشطر نصفين، فقد استقبل هو أيضاً الوفود الزائرة على مدى سنتين أو ثلاث، تلت التحرير، وقد بدأ يخفّ بريقه شيئاً فشيئاً مع تمركز قوة من الجنود الغانيين التابعين للأمم المتحدة عند تخومه الغربية، التي صارت تمنع الزائرين وتردعهم عن أي فعل «انتقامي» أو تعبيري تجاه جنود العدو، وكذلك مع تحويل الموقع الإسرائيلي خلف الأسلاك الشائكة إلى كتلة من الإسمنت المسلح، مدججة بأبراج المراقبة والرادارات وأحدث أجهزة التصوير والرصد و«التجسس». ثم جاء القرار، الذي يشبه المنع القاطع بالوصول إليه، بعد عدوان تموز 2006 وإعادة انتشار قوات اليونيفيل.
وبات من جملة الممنوعات أمام الزوار اليوم، مثلاً، أنّ تحرك الصحافيين نحو هذه المواقع الحدودية أو محاولة تصويرها، بات يحتاج إلى أذونات مسبقة من مديرية مخابرات الجيش اللبنانية، وطبعاً بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، فكيف بالزوار الذين لا عمل يلزمهم بذلك؟