صور ــ آمال خليل«مالنا بالعيد». ليست العجوز الفلسطينية وحدها تقول ذلك، وتنأى بنفسها عن الاحتفال بعيد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي. لاجئون كثيرون في مخيم البص ينزوون في نكبتهم عن العيد، إذ إنّ لكلٍّ احتفاله بشهر أيار في مخيمات صور وقراها. ففيما تضيء القرى شمعة تحرير الجنوب التاسعة، تطفئ المخيمات شمعة النكبة والتهجير الواحدة والستين.
وبينما اعتصمت الفصائل الفلسطينية أمام مقر الصليب الأحمر الدولي ونصب الشهداء في مدينة صور، ونظّمت عشرات الأنشطة للمناسبة داخل المخيمات، عقدت أعراس النصر حلقاتها خارج أسوار المدينة، مستعيدة الفرح التاسع بتحرير الجنوب من العدو الغاشم. وبين الجنوبيين المحررين وأبناء الأرض المحتلة تمتد شباك من الحسرة على غرار «لكم تحريركم ولي حلم العودة». ومن الأسئلة التي سيطرحها اللاجئون الفلسطينيون: متى يحل 25 أيار فلسطيني، وكيف السبيل إلى ذلك؟
فبعد أحداث غزة، لم يعد هؤلاء متيقنين من أن الطريق نحو القدس تمرّ حتماً عبر المقاومة على غرار ما حصل عند تحرير الجنوب. وبات حسين مراد يجد نفسه أكثر بعداً عن قرية أهله، الدامون في قضاء عكا، حتى إنّ حلم العودة إليها اغتصبه العرب، كما قال، بعدما سدّوا كل معابر إدخال المساعدات والسلاح للصمود والقتال حتى النصر. يدعو حسين إلى مقاربة الأمر في مخيم البص الذي «أغلقت الدولة اللبنانية مداخله العشرين، وأبقت على اثنين منها مدعّمة بحواجز الجيش اللبناني وسواتر الإسمنت». ويتذكّر كيف طلب من جارته «نيل تصريح خاص لبرادها ليتمكن من العودة إلى المخيم بعد إصلاحه في ورشة خارجه».
وكان حسين قد استرق فرصة رؤية أرضه المحتلة لسبعة أيام في عيد تحرير الجنوب قبل تسع سنوات، عندما تنادى اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان إلى الحدود الجنوبية المحررة للقاء أقاربهم وأصدقائهم، عند بلدة الضهيرة المقابلة لمستوطنة زرعيت.
شاهد حسين حينها مع عائلته عدداً من أخواله وأولادهم وتبادلوا الرسائل والصور للمرة الأولى والأخيرة مثلهم مثل آلاف الفلسطينيين. ولم تمضِ أيام قليلة حتى قطعت القوى الأمنية اللبنانية الطريق على الفلسطينيين والأجانب إلى ما قبل فلسطين عند الشريط الشائك، ثم إلى ما قبل قبل فلسطين بمنعهم من الدخول إلى المنطقة المحررة إلّا بعد نيل تصريح دخول من الجيش اللبناني.
ضاعت فلسطين مرة أخرى من حسين ومن أمه صالحة مراد (65 عاماً) التي عادت لتستعيد وطنها من أرشيف الذاكرة بعد إقفال الوطن المحرر سريعاً في وجههم. مثلهما جارتهما رسمية عبيد (80 عاماً) كانت ستشاهد، كلما اشتاقت، بقايا بلدتها الغبسية في قضاء عكا من رأس الناقورة، إلّا أن ما بقي لها هو رؤية مَن ظلّ من عائلتها في فلسطين في الأردن، الذي كان نقطة اللقاء قبل شهر بينها وبين أشقائها للمرة الأولى بعد لقاء المناديل ومكبّرات الصوت بعد التحرير عند الشريط الشائك.


فوزية تشمّ هواء بلادها

تتحيّن الحاجة فوزية حلول عيد التحرير لتتمكن من الحج من مخيم برج البراجنة إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، لأن نيل التصاريح يصبح أسهل إذا تولته قيادات الفصائل. أمس جابت مع مئات الفلسطينيين الحدود، لكنهم لم يجدوا من يتلقف سلامهم في الضفة الأخرى. فالحجّ الأول والأخير من الجانبين الذي تم بعيد التحرير عام 2000، باتت تحول دونه إجراءات مشددة يتخذها الطرفان اللبناني والإسرائيلي وقوات اليونيفيل المتأهبة، وخصوصاً بالتزامن مع المناورات الإسرائيلية. تمدد الشريط الشائك وتكهرب، وانتصبت الحواجز الأمنية قاطعة الطريق أمام الوصول إليه. وصار يعتبر كل من يقترب منه أنه خارق للخط الأزرق ومنتهك للقرار 1701. وباعد نقطة الضهيرة الأقرب للتلاقي موقع للوحدة الغانية وحاصر تلة العباد في حولا موقعان: واحد إسرائيلي وآخر إندونيسي.
أمس استعادت فوزية لقاءها بأقاربها قبل 9 سنوات، حين استطاعت لمس أجسادهم والتحدث معهم وتبادل الصور معهم، وخصوصاً أنها كانت تواعدهم يومياً من الفجر إلى المساء قبل انقضاء أسبوع لقاء الأحبة.