بدعوة من الاتحاد اللبناني لبيوت الشباب، اجتمع في فندق الكومودور، خلال الأيام الخمسة الماضية، مندوبون من الدول العربية ناقشوا «مفهوم» السياحة الشبابية العربية، واقعها وسبل تطويرها
محمد محسن
حالما يُذكر مصطلح السياحة الشبابية، يستحضر الشابّ العربي مرح العطلة الصيفية «المرفّهة» التي بدأت إرهاصاتها تظهر هذه الأيام في بيروت، وخصوصاً في المناطق التي تكثر فيها الحانات والفنادق الفخمة.
بالنسبة إليهم، لا تستقيم العطلة من دون خصوصية تامة لا مجال فيها للتعارف مع شباب آخرين، والتلاقي معهم حول أمور «جدية» ثقافية وتنموية. فالفصل الدراسي انتهى، ولهو الصيف لا يحتمل الالتزام بأي نوع من الإنتاجية أو التفاعل الفكري. وفقاً لما هو سائد، يستثمر معظم الشبان العرب أوقاتهم، وأموالهم للاستمتاع بسياحة يظنّون أنها شبابية الهوى، إلّا أن التصنيف العالمي لأنواع السياحة، وتعريف السياحة الشبابية منها، لا يتطابق تماماً مع تلك التي يمارسونها.
هكذا، وانطلاقاً من واقعٍ سياحي مختلف عمّا هو سائد عالمياً، قرر الاتحاد اللبناني لبيوت الشباب، بالتعاون مع الاتحاد العربي، تنظيم «المؤتمر العربي للسياحة الشبابية» على مدى خمسة أيامٍ (من 22 إلى 26 أيار)، استضاف خلالها في فندق الكومودور أكثر من ثلاثين مشاركاً من المشرفين على بيوت الشباب في 11 دولة عربية. حضر هؤلاء ليتبادلوا تجاربهم على صعيد السياحة الشبابية وبيوت الشباب، وليكتسبوا خبراتٍ جديدة في ميدان سياحي، ما زال غائباً عن الذهنية السياحية والشبابية في العالم العربي.
يوم السبت الماضي، اجتمع المنظّمون مع ضيوفهم العرب في حفل إطلاق أعمال المؤتمر. بعد الكلمات الترحيبية، افتتح معرض لملصقات كبيرة تحوي صور بيوت الشباب الموجودة في لبنان، والمنتشرة في مناطق عديدة، كالدامور والرميلة وتعنايل ومرجعيون.
في اليوم الأوّل، شاهد الحضور خلال حفل الافتتاح، فيلماً يعرض أجمل البيوت الشبابية في العالم، التي تبدو كأنها فنادق فخمة.
«بيت خارج البيت»، هكذا عرّف أحد المشاركين «بيت الشباب» الذي يتميّز بتوفير الخدمات المريحة، ويمثّل العمود الفقري للسياحة الشبابية، التي أسهب الناشط باسكال عبد الله في شرح مفهومها، ولكن بعد عرض خصائصها كسفر الشبّاب جماعاتٍ أو فرادى للاستكشاف، أو متطوعين في برنامج إنمائي، أو حتى كطلاب، مشيراً إلى أن التفاعل الذي ينشأ بين نزلاء هذه البيوت، ينعكس إيجابياً على السيّاح الشباب، إذ ينمّي شخصياتهم وموهبة الحوار مع الآخر وتبادل الثقافات. بعد ذلك، تطرّق باسكال إلى أنواع السياحة الشبابية، موزّعاً إياها على خانات الثقافة والاستكشاف والتعلّم وحتى التطوّع. اتفق الحضور على تحديد مفهوم السياحة الشبابية، استناداً إلى أعمار السيّاح التي لا تتجاوز الخمسة والعشرين عاماً، وتحديد أهداف هذه السياحة بالتطوع أو التعلم أو الاستكشاف. وتجري هذه السياحة في بيتٍ شبابي، يؤمّن بيئة للتفاعل والحوار بين نزلائه، خلال برنامجٍ معدّ مسبّقاً، تتخلّله رحلات طبيعية واستكشافية، وجلسات نقاش.
كيف بإمكان بيت الشباب أن يكون مركزاً لتطوير الذات والحوار؟ سؤال طرحه المؤتمرون خلال اليوم الأخير من المؤتمر. في إجاباته، انطلق فادي سرياني، الناشط في مجال السياحة الشبابية، من الواقع اللبناني المتخم بالتشنّج، الذي تفتقر جغرافيته إلى المساحات العامة، كالحدائق والشواطئ التي كانت تمثّل في السابق أماكن تلاقٍ وحوار. انتقد سرياني انتقاداً مبطّناً ورش العمل التي تنظّم من أجل السلام والمواطنة، معتبراً أنها «دورات تدريبية ما زالت في خانة النظريات، بينما نحتاج إلى شيء عملي، للتفاعل والحوار، ومن هنا جاءت البيوت الشبابية». من هذا المنطلق، شدّد سرياني على ضرورة تشجيع الشباب في المحافظة على الإرث الثقافي والوطني، وعلى تبادل الثقافات، التي لا دور لبيوت الشباب خارج إطارها، مستشهداً بمثلٍ عن وفدٍ فرنسي زار أحدها في لبنان، وخرج أعضاؤه بعد انتهاء برنامج رحلتهم، وقد كوّنوا «نظرةً إيجابية عن العرب، مختلفة عن تلك السلبية التي كانوا يعتنقونها».
بعد ذلك، عرضت بعض الجمعيات نشاطاتٍ قامت بها في إطار السياحة الشبابية، بينما ارتبط الحديث دائماً بدور بيوت الشباب في مجال التنمية، وفي مجال إشراك الشباب في القرارت المرتبطة بشؤونهم. وقد بدا مشروع مرسوم وزاري لاستحداث فئةٍ جديدة من بيوت الضيافة التي تؤمّن خدماتٍ مريحة لأصحاب الدخل المحدود، مهماً لجهة فعاليته، بعدما أعلنت مندوبة وزارة السياحة كلوديا كرم عن عمل الوزارة على إقراره.
لبنانياً، أشار أنيس عبد الملك رئيس الاتحاد اللبناني لبيوت الشباب في حديثٍ لـ«الأخبار»، إلى أن انتشار فكرة بيوت الشباب في لبنان والعالم العربي ما زال ضعيفاً، وذلك بسبب «غياب ثقافة السياحة بمعناها الشبابي، فشبابنا يحبون الإقامة في فنادق فخمة». يرى عبد الملك أن انتشار السياحة الشبابية يحتاج إلى ثقافة يكتسبها الشاب في بيته ومدرسته، تعوّده ارتياد هذه البيوت، وتَشارُكَ غرفها مع شباب آخرين من دون أن يمثّل ذلك «انتهاكاً» لمفهوم اللهو والمرح خلال العطلة السياحية. اقتصادياً، تبدو الأسعار التي وضعها رئيس الاتحاد اللبناني تشجيعية للشباب، إذ لا تتجاوز أجرة الليلة الواحدة في بيت شبابي العشرين دولاراً، وهي تتضمن المنامة والطعام، والبرنامج الترفيهي الذي تعدّه إدارة الفندق لزوّارها الشباب.


قريباً أكاديمية عربية تصوّب المفهوم

أدرج المؤتمرون العديد من التوصيات، لكن أهم ما جاء فيها، كان ضرورة العمل على تفعيل مشروع قرار إنشاء الأكاديمية العربية للسياحة الشبابية، إضافةً إلى تعزيز تبادل الخبرات والوفود الطلابية بين الدول المشاركة، لتعزيز الحوار في ما بينها. وقد وعد رئيس الاتحاد اللبناني أنيس عبد الملك بأن لبنان سيقوم بجميع الإجراءات اللازمة، إذا وقع عليه الاختيار مقرّاً لإنشاء الأكاديمية