منهال الأمينيُسمع صوت الشاب البقاعي على الخط وهو يتحدث مع أحد أقطاب الموالاة الذي يحاول إقناعه عبر الهاتف بالتصويت للوائح 14 آذار. إلّا أنّ السياسي يعجز عن استمالته أو الوقوف منه على رأي محدد. فالشاب الذي نظن لوهلة أنّه يقلد أكرم سلمان، الذي يشاكس موظفي شركات الخلوي باتصالات فكاهية أصبح الشباب يتناقلونها على أجهزتهم كنكات منذ فترة، يتمادى في «الغشمنة». وحين يصرّ عليه بأن يصوّت، يقول له: «تكرم عينك»، ثم يطلق صرخة عالية في أذنه، إلى أن يقع السياسي مغشياً عليه. يدخل الشاب المسرح لنكتشف أنّه أكرم فعلاً وليس شخصاً يقلده. يوجّه الممثل خطابه مباشرة إلى الناس: «حكينا شي يا عمي. شوّي شو... كيف الكيف.. ليش الليش» (وهي عباراته الشهيرة التي تدور على ألسنة الشباب هذه الأيام). فهو يؤدي دوراً في مسرحية «انتخاب ظني فيك» التي أدخلت عليها المخرجة هداية سنان تعديلاً قضى باستقطاب أكرم من شمسطار، هو الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة، بسبب حواراته التي يتناقلها الناس على الهواتف: يتصل بموظفي شركتي الخلوي طالباً منهم مساعدته لأنّه «أوقع جهازه في سطل اللبن». وحين تنكشف حيلته، ينتقل إلى معضلة منطقية أكثر مثل تثبيت الخط. وحين يستفسر منه الموظف عن مكان سكنه يحدد أنّه «في برنابا، قضاء وادي أبو أحمد، نزلة حسن أبو كساب»!
ويمكن أكرم أن يطيل الحديث مع الموظفين لساعات، وقد أجرى خلال الأشهر الستة الأخيرة أكثر من 27 اتصالاً بهم، مستخدماً هاتفين، واحداً للاتصال وآخر للتسجيل. يقول أكرم إنّ الفكرة بدأت عفوية «بقصد المزاح لا بقصد إهانة أحد». فهو لا يُعدّ ما يريد قوله قبل الاتصال، لكن يأتي الكلام عفو الخاطر وبحسب تجاوب الموظف المجيب. لذا، «لا أهداف عدوانية» وراء ما يفعل، فهو فقط «يحب أن يرى الناس يضحكون». ويؤكد أنّه حين رأى موضوعه يُستغل بطريقة سيّئة، قرر الانسحاب وعدم إجراء الاتصالات التي كانت تجري أحياناً بناءً على رغبة رفاقه. حتى إنّ هناك من حاول تقليده وانتهى به الأمر في السجن. لهذه الغاية، انضم أكرم إلى فريق عمل مسرحية «انتخاب ظني فيك»، إذ مارس هوايته هذه المرة على الخشبة في «حوار هادئ ساخر» مع السفيرة الأميركية ميشال سيسون، التي عرض عليها «نكش حديقة البيت الأبيض ودهنه بالأزرق». وقد تلقّفته مخرجة المسرحية هداية سنان، التي يعتمد عليها أكرم ليطوّر الفكرة التي بدأ بها للتسلية، فلاقت رواجاً منقطع النظير. وترى سنان أنّ شخصية أكرم قابلة للتطوير كثيراً، ولا سيما أنّه عفوي ولا يضحك بسهولة، لسانه طليق ولديه سرعة بديهة كبيرة، تخوّله تناول مواضيع اجتماعية وسياسية بأسلوب خاص يشدّ السامع.
يطمح أكرم إلى أن يستثمر «موهبته» دون أن يسمح لأحد بأن يستغل رغبته في الإضحاك أو أن يظهره بمظهر «السلْبة» المثير للسخرية. لهذا يتضايق كثيراً حين لا يحفل أحد بنكاته. يعترف بتأثّره «بمدرسة زياد الرحباني»، إذ تستهويه «الفلسفة في الفكاهة». لذا، فهو لا ينجذب إلا إلى «العناوين العميقة» على رفوف المكتبات. ينظم الشعر بالفصحى، دون الالتفات كثيراً إلى الوزن، «متّكلاً على أن تؤدي الكلمة دورها في نبش الذات ولمس خلايا الضحك والتفكير معاً».