لا يقف مشروع «تسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات» عند إقراره، بل يكمن همه الأكبر في التطبيق، وخصوصاً إذا انطلق المعنيون به من تجارب المشاريع السابقة، مثل قانون 200\2000. هذا الهم، تحاول أمّ المشروع، وزارة الداخلية، «تفعيله» من خلال تحفيز المعنيين، وأولهم البلديات، لإنجاحه، عبر رصد مكافآت لها مع نهاية الانتخابات
صور ــ آمال خليل
أكثر ما استرعى انتباه أحد رؤساء بلديات قضاء صور في لقاء الرسميين والمجتمع المدني، الذي عقد في صور، تحت عنوان «نحو بيئة دامجة»، هو الحوافز «المفاجآت»، التي تنوي وزارة الداخلية منحها للبلدية، والتي تسهم أكثر من غيرها في تسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات النيابية. التعميم الصادر عن الوزارة بهذا الشأن يطلب من رؤساء البلديات وموظّفيها وفرقها التطوعية، مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على الوصول إلى مراكز الاقتراع.
لكن المكافآت المعنوية المنتظرة قد لا تمثّل حافزاً كافياً لدى البلديات وموظفيها، إذا ما قورنت بالواقع السلبي، الذي كرّسته عملية إعادة الإعمار في الجنوب بعد عدوان تموز 2006، حيث لم تّطبّق القوانين المرعية الإجراء، التي تكفل حقوق المعوقين، أقله في الأماكن العامة. علماً أن عدد المعوقين في الجنوب، قد زاد بعد العدوان وفقاً لإحصائيات الحكومة اللبنانية (4 آلاف جريح، بينهم 15% استجدّت لديهم إعاقات دائمة).
وكان اتحاد المقعدين اللبنانيين قد أطلق قبل عامين حملة «عمّر للكل وما تعيق قدراتي»، التي تسعى إلى «إيجاد بيئة دامجة خالية من العوائق الهندسية، ويمكن استعمال الجميع لها، وتعمل على توعية المعنيين على أهمية التجهيز الهندسي، وتدريب القطاعات المعنية»، بالتزامن مع عملية إعادة الإعمار في الضاحية الجنوبية والجنوب خصوصاً. وبالرغم من شحذ همم الجهات العامة والأهلية، كمجلس الإنماء والإعمار، وجهاد البناء، ومشروع وعد، والمشروع القطري، والمدنيين أصحاب البيوت المهدمة والمتضررة، للمشاركة في العملية، فإنه ووفقاً لدراسات الاتحاد الميدانية «لم يُعمل بالمعايير والمواصفات الهندسية والفنية الخاصة بذوي الاحتياجات الإضافية في جميع المرافق والمباني العامة والخاصة، التي أعيد بناؤها أو ترميمها، فيما لم تستوفِ المباني التي أنجزت فيها المواصفات بعض شروط الحد الأدنى». ومن بين الأماكن العامة المتضررة كلياً أو جزئياً خلال العدوان، والمستخدمة دينياً وتربوياً وصحياً واجتماعياً وثقافياً وإدارياً، وعددها 68، هناك 22 منها لا تشتمل على أي من المواصفات الهندسية الخاصة، أي الأرصفة ومواقف السيارات والمداخل والممرات والمصاعد والأثاث الداخلي والمراحيض. وليس بينها واحدة تشتمل على أكثر من خمس مواصفات. إشارة إلى أن 24 من هذه المباني حكومية وتابعة لإدارة عامة (15 مبنى لوزارة التربية و5 مبان لوزارة الشؤون الاجتماعية و4 لوزارة الداخلية والبلديات).
وكنموذج لنتائج إعادة الإعمار التي شارفت في معظمها على الانتهاء في الجنوب، قدّم اتحاد المقعدين دراسة عن المرافق العامة الرسمية والخاصة المتضررة في بلدة عيناتا (قضاء بنت جبيل) للدلالة على تجاوب المجتمع الأهلي والإدارات الرسمية للوصول نحو بيئة دامجة بينهم وبين ذوي الاحتياجات الخاصة. وتبيّن أن مبنى البلدية غير مجهز هندسياً ومن الضروري استحداث مراحيض خاصة. أما المدرسة الرسمية، فهي غير مجهزة بممرّ ومراحيض خاصة، باستثناء مدرسة خاصة جهزّت جزئياً فقط بدرابزين جانبي لذوي الاحتياجات الخاصة. أما حسينية البلدة، والمساجد الأربعة فيها، فإنها غير مجهزة أيضاً بأي من التجهيزات الهندسية الخاصة. حتى إن أحد المساجد لا يمكن تجهيزه هندسياً بسبب طريقة بنائه، التي تضمّ الكثير من المعوقات الهندسية.
وأوصى الاتحاد بالعمل على إقرار المعايير الهندسية الدامجة بالتعاون مع المعنيين على المستويين الرسمي والأهلي، وتعزيز قدرات العاملين في مجال إعادة الإعمار، وتوعيتهم على موضوع التجهيز الهندسي، وأهميته لجهة تسهيل حركة ذوي الحاجات الخاصة داخل المنزل وخارجه، واستحداث مكاتب هندسية خاصة في مراكز البلديات. لكن رئيسة الاتحاد سيلفانا اللقيس تقرّ، في الوقت ذاته، بصعوبة إنجاز التوصيات «بسبب غياب القوانين الملزمة، وضعف ثقافة الدمج الوطني، وضعف إمكانات البلديات الفنية والمادية وغياب الخطة البديلة الواحدة».
بالنسبة إلى مشروع التجهيزات الهندسية فإن مصيره يصبح أكثر وضوحاً إذا ما أُخذت بالاعتبار القوانين التي أقرّها سابقاً مجلس الوزراء، ويشير واقع المعوقين في لبنان إلى مدى تطبيقها، وهي إضافة إلى قانون 200\2000، قانون تأكيد مسؤولية الدولة في تأمين الخدمات، والرعاية الاجتماعية والصحية للأشخاص المعوقين الصادر عام 1973، وقانون دمج المعوقين في التعليم العادي، والتشجيع على توظيف الأشخاص المعوقين الصادر عام 1993، وقانون البناء المعدل وبناء بيئة خالية من العوائق الهندسية الصادر عام 2004.
لكن رئيس بلدية عيترون سليم مراد، أكد أن التجهيزات الهندسية في مراكز الاقتراع والأماكن العامة يلزمها تمويل مالي، قد لا تؤمّنه وزارة الداخلية والبلديات. وفيما لفت إلى أن تنفيذ المشروع ليس من مسؤولية هذه الوزارة وحدها، كشف عن مشاريع عدة قدمت إلى وزارات الأشغال العامة، والتربية الوطنية، والشؤون الاجتماعية تنصّ على تعاونها، ومنها إقرار وزارة التربية بإدخال التعديلات الهندسية على مباني المدارس الرسمية التي تمثّل النسبة الأكبر من مراكز الاقتراع. تجدر الإشارة إلى أن المشروع الخاص بتجهيز المدارس الرسمية في إطار خطة تمتد على ست سنوات، ستبلغ الكلفة الكاملة له في السنة الواحدة نحو 4,2 ملايين دولار أميركي، ما يعني أنه سيمثّل 0.8% فقط من مجموع نفقات الموازنة في وزارة التربية والتعليم العالي.