نعتبر الطفل خجولاًَ إذا انزوى وحيداً، وحاول الابتعاد عن الآخرين بسبب فشله في التواصل معهم. لكن للخجل عند الصغار أوجه متعددة، فالعنف هو إحدى أدوات الولد الخجول. لماذا يصير الولد خجولاً؟ ما هي تأثيرات الخجل في نموّ الطفل؟ سؤالان مهمان في إطار البحث عن حلول لمشكلة الخجل، ولكن الأهم هو التذكير بأن الحلول في يد الأبوين، وتؤدّي المدرسة دوراً في هذا الإطار

حلا ماضي
حالما يدق جرس المنزل ويعرف وليد س أن الطارق شخص «غريب» آتٍ لزيارة والديه، يسارع بالهرب إلى غرفته. وقد لاحظت والدته تكرار هذا التصرف عند وليد ذي الأعوام الستة، تدريجياً، فقد كان بدايةً يكتفي بالوقوف وراء أمه في محاولة للاختفاء خلفها. أما والدة هشام (9 أعوام)، فقد فوجئت عندما استدعتها مديرة مدرسته لإبداء بعض الملاحظات على النشاط المدرسي، الصبي يتردد في طرح الأسئلة أثناء شرح الدرس، كما لاحظ الناظر أن هشام نادراً ما يتحدث مع رفاقه في ملعب المدرسة، وهذا ما أثار استغراب الوالدة، إذ إن سلوك هشام في المنزل مناقض لسلوكه الخجول في المدرسة.
رنا س. لها ابن لم يتجاوز الاثني عشر ربيعاً، اسمه سمير، ينزوي دائماً في غرفة اللُّعب، ونتائجه المدرسيّة متدنية، رنا أيضاً أصيبت بما يشبه الصدمة عندما تلقت رسالة من إدارة مدرسة سمير، وفي الرسالة إنذارات بطرده نهائياً من المؤسسة، هذا الإنذار جاء ردّاً على تهجّم سمير باستمرار على التلاميذ أثناء اللعب، وبسبب إيذائه لهم! واللافت أن سمير يهاجم أولاداً من أعمار مختلفة.
يمثّل الخجل «القاسم المشترك» بين الحالات الثلاث، وذلك رغم تفاوت مستويات الخجل لديهم تبعاً للمرحلة العمرية لكل منهم، ولطريقة تعامل المحيطين بهم معهم.
تعرّف أستاذة التربية في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية سمر الزغبي الخجل عند الطفل بأنه حالة عاطفية، أو انفعالية معقّدة، تنطوي على شعور بالنقص، وتمنع الولد من التفاعل الإيجابي والطبيعي مع هذا الموقف أو ذاك، وذلك من شأنه أن يسبّب عدة أعراض أو استجابات سلوكية غير طبيعية، تختلف باختلاف الموقف الذي يتعرّض له الولد الخجول، ومن ثم تنعكس الآثار السلبية لهذه الاستجابات لتنال من الجوانب الأخرى للشخصية، ويصبح الخجل سمة من سمات الشخص نفسه.
الخجل في سنوات الطفولة الأولى والوسطى، كما هي الحال بالنسبة إلى وليد وهشام، يرتبط بالخوف عموماً، وذلك بسبب خلل في التواصل، وبسبب نمط العلاقات السائدة في الأسرة نتيجة لقلق الأم الزائد اتجاه ابنها، ومنعه من القيام بأي نشاط خوفاً عليه.
ترى الزغبي أن بعض الأمهات يرتكبن خطأً بأن يجعلن أنفسهن بمثابة تعويض عن نقص يعانيه الطفل الخجول، فيأخذن دور الأصدقاء، ويشاركن طفلهن اللعب. وتتحدث الزغبي عن فقدان الطفل المهارات الاجتماعية التقليدية الأولية، التى تبدأ برؤية الآخرين، وتعوّد التواصل مع الغير، كذلك تشدّد أستاذة التربية على ردود أفعال الآباء و الأمهات على المواقف التي يتعرّض لها الطفل في بداية حياته، وأسلوب العقاب والثواب، وهذه لها دور كبير في جعل الطفل خجولاً، تُضاف إليها « قائمة» التخويف والتحذير التي يلوّح بها الأهل دائماً، كالتأنيب المستمر على تصرفات خاطئة بنظر الأهل، أو لوم الطفل على بدانته لأنه يأكل كثيراً، أو الإيحاء للطفل بأنه كسول لا يقوم بواجباته المدرسية كما يجب. هذه التصرفات «تمنع الطفل من النمو بطريقة صحيحة، وتصبح عائقاً دون اندماجه الصحيح في وسطه المدرسي، ما سيعرّضه بالتالي لمتاعب عديدة» كما تؤكد الاختصاصية فى تقويم النطق الدكتورة ربى خوري. وتلفت إلى أن الخجل قد يبدأ بالتلعثم أثناء الكلام، وتردّد الطفل فى طرح الأسئلة، ومناقشة أفكار تتعلّق بالدرس مثلاً، أو إقامة حوار مع المدرّسين في الصف، وذلك خوفاً من الوقوع فى الخطأ، الذي قد يثير استهزاء رفاقه. هذه المخاوف تحول دون حصول الطفل على المعلومات التى يريدها، وهو بالتالي لا يستطيع التعبير عن مشاعره الحقيقية، فيتّسم سلوكه بالجمود والخمول فى الوسط المدرسي، أو في بيئته كلها عموماً، مما يدفعه إلى الانزواء و الانطواء على نفسه.
لا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، فالخجل والانطواء على النفس يجرّان مشكلة أخرى، تتجلّى أحيانا فى الأنانية والتمرد. في هذا الإطار تلفت خوري إلى أن التأتأة عند بعض الأطفال لا علاقة لها بسمة الخجل، بل هي مرتبطة ببعض الاضطرابات فى الدماغ.
في سنوات الطفولة الأولى قد يمثّل الخوف أحد وجوه الخجل عند الطفل، ولكنه قد يتخّذ صورة «العداء والعنف» فى مرحلة الطفولة المتأخرة، و بداية المراهقة، كما هي حال سمير، إذ يحاول «المراهق الصغير جذب الانتباه إليه، كوسيلة لتغطية خجله، ومحاولة إثبات «رجولته»، فيلجأ إلى العنف إذا قوبلت رغباته بالصدّ، سواء في الحي أو النادي أو المدرسة، بل لنقل إنه قد يعتمد العنف في أي مكان خارج المنزل، وخاصة أنه ينال ما يريده عند أسرته.


دور الأهل والمدرسة

تشير سمر الزغبي إلى أن الأسرة تستطيع دون سواها أن تبدّل من طباع الولد، وتخلّصه من مشكلة الخجل. يجب على الأهل ـــ الأم بصورة خاصة ـــ أن يعلّموا الطفل العادات والسلوكيات الحياتية دون تكلّف، أو حساسية زائدة، وعلى الأهل تذكير الطفل دائماً بالأمور الإيجابية التي يقوم بها، وإن كانت بسيطة.
تشدّد الزغبي على ضرورة إشراك الطفل فى نشاطات المدرسة، أو تسجيله فى النوادي المخصصة للأطفال، مع الأخذ بعين الاعتبار المراحل العمرية لكل طفل، لأن من شأن ذلك تشجيع الطفل على الخروج من دائرة الذات، و الأنانية، والاندماج تدريجياً فى الحياة الاجتماعية، واللعب مع من هم فى سنه، وعدم فرض قيود تمنع الطفل من التصرف تلقائياً عند اللعب مع رفاقه