لأربع سنواتٍ خلت، اقتصر الحديث عن المجلس الدستوري على الصرخات المطالبة بعودته، والاتهامات المتبادلة بتعطيله. بعد عودته أول من أمس، رحب الجميع بالخطوة، كما أشار بعضهم إلى أن المجلس محكوم بالاتفاق السياسي
أحمد محسن ــ محمد نزال
استعاد القانون بعضاً من حيويته أخيراً، وتحديداً المادة 19 من الدستور اللبناني، التي نصت على إنشاء المجلس الدستوري. بدأ الحديث عنه بعد اتفاق الطائف (أقر اتفاق الطائف في 21 أيلول 1990، والإصلاحات في 21 اب 1990)، الذي حدّد مهمّات المجلس، بمراقبة دستورية القوانين، وبتّ الطعون الانتخابية والرئاسية، قبل أن ينشأ عام 1994، ويتوقّف عن العمل منذ 4 سنوات، على الرغم من أن إنشاءه كان من النقاط الإصلاحية البارزة، كما يجمع أغلب المتابعين القانونيين. لكنه لم يسلم من التجاذبات السياسية، وتالياً، اعتباره محطة اختلاف بين الأفرقاء السياسيين اللبنانيين، الأمر الذي انعكس سلباً على الناحية المؤسساتية. فالمادة القانونية المذكورة، تمنح رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المجلس النيابي الحقّ في مراجعة المجلس الدستوري بشأن رقابة دستورية القوانين، فضلاً عن إمكان 10 نواب مجتمعين، مراجعة المجلس في قضايا قانونية. أكثر من ذلك، فإن المادة نفسها، تبيح لرؤساء الطوائف الدينية (الرسميين منهم) مراجعة المجلس مباشرةً، في قضايا الأحوال الشخصية والتعليم الديني، من دون الرجوع إلى السلطتين التنفيذية أو التشريعية. لكن في الفترة السابقة، خلال أربع سنوات خلت، توقف المجلس عن العمل، ما يبشّر خيراً بعودته الآن. النائب في كتلة القوات اللبنانية، أنطوان زهرا، علّق على إيجابية الأمر، في اتصال مع «الأخبار»، مؤكداً أن المهمّ هو إنجاز هذه التعيينات. أما عن الآلية، فقد سلّم زهرا بما قبله رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن «القوات فوّضت الرئيس، وقبلت ما آلت إليه النتائج، نافياً أيّ تحفظ على أيّ من الأعضاء».
وبالحديث عن طريقة تعيين أعضاء المجلس، التي تؤشر إلى التدخلات السياسية المعتادة، لفت الوزير خالد قباني، العضو السابق في المجلس الدستوري، إلى استقلالية ما، مشيراً إلى أن رئيس المجلس ونائبه ينتخبهما أعضاء المجلس أنفسهم، ما رأى فيه تأكيداً على استقلالية هذا المجلس، في ظل وجود «هيئة قضائية دستورية»، وتمتّعه بحصانة قانونية، ما يجعله قادراً على ممارسة دوره بعيداً عن الضغوط «إذا شاء ذلك». ومن هنا، انطلق النائب إبراهيم كنعان، ليرحب بإقرار المجلس، «أحد مطالب التيار الوطني الحر الأساسية». لخمس سنوات خلت، وقد بقي 11 طعناً للتيار في أدراج المجلس، «الذي عطّلته الأكثرية الحالية». بيد أن النائب كنعان، لم ينفِ ترحيبه بولادة المجلس الجديد، كخطوة نحو العمل المؤسساتي، آملاً عدم تفريط المسؤولين السياسيين فيه. وفي سياق متصل، رأى كنعان أن «الاصطفاف الذي مارسته قوى الأكثرية داخل مجلس النواب كان من شأنه أن يضرب حيادية المجلس، لولا التوازن الذي أصرّت عليه المعارضة في مجلس الوزراء». وهنا، تجدر الإشارة، إلى أنه تبعاً للقانون الرقم 250 (قانون المجلس الدستوري)، فإن المجلس يتألف من 10 أعضاء، 5 منهم ينتخبهم مجلس النواب، بينما يعيَّن الآخرون في مجلس الوزراء. وفي هذا الإطار، أشار الوزير قباني، إلى أنه يُفترض بالأعضاء، حتى لو عيّنتهم سلطة سياسية تتألّف من تكتلات حزبية، أن يكونوا في غاية النزاهة والاستقلالية، وبالتالي أن يكونوا «حماة للدستور»، لا ممثلين للجهات التي عيّنتهم، ويجب أن يتصرفوا على أنهم لا يدينون لأي جهة سياسية أو غير ذلك. واستفاض ليلفت إلى أن القضاة الذين يكوّنون المجلس الدستوري الحالي، هم على مستوى عالٍ من الكفاءة.
بعد المخاض العسير، يُفترض أن تستمر ولاية المجلس الدستوري ستّ سنوات، وكل 3 سنوات يعيّن نصف الأعضاء بصورة تلقائية. وبما أن المجلس الحالي جديد بأعضائه العشرة، فسوف تُجرى قرعة بعد 3 سنوات لسحب 5 من أعضائه، وتعيين بدلاء منهم. من يعيّنهم مجلس الوزراء في الفترة الأولى يستبدلهم هو نفسه، ومن ينتخبهم المجلس النيابي يعود أيضاً وينتخب بدلاء منهم. تبقى هذه الآلية الدستورية مرتبطة بالوضع السياسي العام، فقانون الانتخابات، كما المجلس الدستوي، سقط في مطبّات عدة، قبل أن يولد في عملية جراحية معقّدة، لكنّ وزير العدل إبراهيم نجار رأى الأمر مناسبة، لتقديم المجلس كهدية إلى اللبنانيين عشية الانتخابات، بعد «إفراج مجلس الوزراء عن تعيينات المجلس الدستوري»، منوّهاً بما توصل إليه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بمساعدة المعنيّين الأساسيين من اتخاذ قرار بالإجماع، «ولو أن البعض أبدى تردداً». وفقاً لوزير العدل، رافق التردد إنشاء المجلس.