كل مواطن صحافي. ووسائل الإعلام الموجودة على الساحة اللبنانية لا تعبّر، لانحيازها، عن شبابها. من هذين الاعتبارين انطلق مشروع صوت الشباب، ليبدأ بالانتخابات، على ألا ينتهي عندها
رنا حايك
في مركز المنظمة غير الحكومية Rootspace في منطقة الصيفي، يجري الإعداد على قدم وساق للعدد الأول من «صوت الشباب». ستون شاباً وشابة دون الخامسة والعشرين من العمر يضحّون بنهار العطلة كل سبت، يفدون من مختلف المناطق والجامعات، لإيصال صوتهم في إطار مشروع يحاول القفز فوق فخاخ الاصطفافات الإعلامية والإعلام المنحاز. الدليل: إصدار ملحق من ثماني صفحات، باللغتين العربية والإنكليزية، يوزّع يوم الرابع من حزيران مع جريدتين متناقضتي التوجهات المهنية: «الأخبار» و«النهار».
«يأتي إصرارنا على هذه الخطوة الرمزية استكمالاً لهدفنا في جمع الشباب وخلق مساحة للحوار في ما بينهم رغم اختلاف مشاربهم الطائفية وتوجهاتهم السياسية. ففي تلك الخطوة الرمزية دليل حسي لهم بأن وجهات النظر المختلفة مشروعة وجديرة بالمناقشة»، كما تشرح ديما صابر، الأستاذة في جامعة سيدة اللويزة التي نجحت في حشد طلابها وطلاب من جامعات أخرى مثل الأميركية واليسوعية والبلمند وإي.يو.أس تي... للمشاركة في المشروع الذي ينفّذ بالتعاون مع مواقع «جريدتك» و«منصات» ووكالة «يونايتد برس».
في مقرّ المنظمة في الصيفي، خلية نحل تعمل بهمّة ونشاط. يتوزع الشباب على حلقات: طلاب السينما يضعون اللمسات الأخيرة على أفلام قصيرة تتناول هواجسهم في بلد تطحن فيه رحى السياسة آمالهم بقرار مستقل. أفلام عرض القسم المنجز منها حتى الآن ضمن فقرة «كلام شباب» في برنامج «كلام الناس» على محطة أل.بي.سي، وتدرج على الموقع الإلكتروني الخاص بالمشروع.
«كل زملائي يقولون إنهم غير مسيسين، لكن ما إن تقترب الانتخابات حتى يتحولوا إلى أشرس المدافعين عن حزب ما، من غير أن يدركوا أنهم يُستغلون»، يقول جورج خلف، الذي يتناول للمرة الأولى موضوعاً سياسياً في فيلمه القصير «لأنني أخاف من القيام بذلك في الجامعة حيث الأجواء حامية أصلاً. أما هنا، فتحمست لذلك لأن المشروع واضح وصريح ولن يجيّر لخدمة أي من الجهات المتناحرة».
في قسم «الغرافيكس»، يتناقش أعضاؤه في التصوّر الأمثل لشكل جريدة قد تجذب الشباب. أما «هيئة التحرير» المكونة من ستة عشر طالباً وطالبة، لا ينتمون بالضرورة إلى كليات الإعلام في جامعاتهم، فقد وضعت قبل أي شيء، لائحة بالمعايير الأخلاقية التي يجب على الصحافي اتباعها، تجنباً للوقوع في أوحال التحريض العنصري والطائفي، وحملات التشهير التي تنجرّ إليها بعض الوسائل الإعلامية في لبنان اليوم.
يحاول الشباب خلق إعلام موازٍ ينجو من هفوات كثيرة سقطت فيها الوسائل الإعلامية اليوم. يتحمسون لفكرة اشتراكهم في الحدث لا تلقيه سلباً وكما يفرضه عليهم الإعلام الموجه.
«أنا طالبة في قسم الهندسة في الجامعة الأميركية، ليست الممارسة الصحافية من صميم اختصاصي، لكنني تحمست للمشاركة لأن هذا المشروع يتيح لي الاختلاط بطلاب آخرين من مناطق وتوجهات مختلفة، ولأنه يتيح لي كمواطنة شابة، مقاربة الحيز الاجتماعي العام»، تقول ياسمينا فنصة، عضو في هيئة التحرير.
ففي ظل الطفرة الإعلامية التي نشهدها اليوم، حيث تكسّرت القوالب الجامدة، واتسعت مجالات النشر في العالم الافتراضي، أصبح فعلاً كل مواطن صحافياً.
«بصفتي أدرّس المواد الإعلامية في الجامعة، لاحظت، مقارنة مع سطوة الإعلام الذي ينهال فجأة على الشاب بمجرد دخوله إلى الجامعة، بأن التلميذ في المدرسة يظل غريباً تماماً عن تفاصيله»، تقول صابر.
ملاحظة دفعتها لإعداد مشروع يشرك الشباب في العملية الإعلامية مع صديقها منير نبتي، مدير منظمة
Rootspace. «ارتأينا أن نبدأ، في مناسبة الانتخابات النيابية، مع ملحق يعده شباب ويصدر قبيل الانتخابات، بينما انتدبنا «خلية» انتخابية لشباب سيغطون الانتخابات من أقلام الاقتراع مباشرة في يوم الانتخابات، ويرسلون تقاريرهم لننشرها على الموقع». وهل يخفت صوت الشباب بعد انقضاء المناسبة وانتهاء الانتخابات؟
قطعاً لا، فالانتخابات ليست سوى البداية. وبناءً على الملاحظة التي أشارت إليها صابر، سيعمد فريق عمل صوت الشباب لاحقاً إلى تطوير الفكرة والتنسيق مع مدارس لإقامة ورش عمل لمدة ساعتين كل يوم فقط على مدى أسبوعين في كل مدرسة، يلقّن خلالها التلاميذ عن تفاصيل العملية الإعلامية، والرسالة التي تصلهم من عالم الميديا الذي يحاصرهم، في الواقع، وعلى شاشات التلفزيون، وفي العالم الافتراضي على الإنترنت. لتكون النتيجة إصدار مطبوعة شهرية يعدّ لها تلاميذ من المدارس وطلاب جامعات.
إلى حينها، تستمر ورش الإعلام الشبابي بصيغة «تعاونية»، وتستقبل هيئة التحرير، التي لن ينفضّ عقدها بمجرد إصدار الملحق، المساهمات الشبابية من دون قيد أو شرط سوى احترام المعايير الأخلاقية التي حددتها، لتُنشر لاحقاً على موقع المشروع. مساهمات تدفّقت بوفرة، بعد الجهد الذي بذله المنظمون لتعميم الخبر في مختلف الجامعات اللبنانية، وكأن الشباب كانوا متعطشين للإدلاء بأصواتهم التي لا تعبّر عنها الوسائل الإعلامية التقليدية والتي تستعصي على إدراجها في مزايدة المواسم السياسية وعلى مصادرتها من خلال أموال الإنفاق الانتخابي.
www.sawtashabab.org
www.therootspace.org


«سور ورا سور» للوصول إلى «اللبنانية»

تشرح صابر كيف اعتمد القيمون معايير التنوع في اختيار أعضاء «صوت الشباب»، وكم من المجهود بذلوا للوصول إلى جميع الطلاب في مختلف الجامعات اللبنانية... إلا الجامعة اللبنانية الرسمية. «فهناك، أحتاج لتصريح من رئيس الجامعة حتى يسمح لي الدخول والتحدث إلى أي طالب في الداخل». لكن البيروقراطية لم تحل دون الوصول إلى أولئك الطلاب خارج أسوار الجامعة، والنجاح في إشراك بعضهم في المشروع.