طائفية؟ تبدو الكلمة رتيبة محلياً، بل تتخطى الرتابة لتصبح واقعاً. عبّرت جمعية «شمل» أمس عن رفضها لهذا «الواقع»، فأعلنت تقديم إخبار ضد 7 زعماء، بتهمة التحريض الطائفي، وبموجب المادة 317 من قانون العقوبات
أحمد محسن
بدأ أول تحرك لمجموعة «شمل» للتوعية على المادة 317 من قانون العقوبات في 21/10/2008 في ساحة رياض الصلح. يبدو النشاط الشبابي مستغرَباً للوهلة الأولى. يشير، في الشكل، إلى أن المادة المذكورة مغمورة، أو بعيدة عن التداول الاجتماعي أو الإعلامي. لكن هذه هي أحوال القانون، وعلاقة الناس به، لولا تميّز المادة 317 تحديداً، وعلاقتها بتفاصيل تكاد تكون شبه يومية في حياة اللبنانيين، اللبنانيين المنقسمين بين الزعامات السياسية المألوفة. مثّل هذا الجانب النقطة الأساسية التي حاولت «شمل» الإضاءة عليها أمس، عبر عرض هذه المادة من القانون اللبناني (الرقم 239 تاريخ 27/5/1993). وتنص المادة المدرجة في كتاب الجرائم من فصول قانون العقوبات، تحت الباب الثاني، النبذة الخامسة (الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة)، على أن «كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يُقصد منه أو ينتج منه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، يُعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة وبالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتين الثانية والرابعة من المادة 65، ويمكن المحكمة أن تقضي بنشر الحكم».
يظهر الموضوع مثالياً أكثر من اللزوم، في ظل التجاذبات السياسية الحالية. لكن هذا لم يمنع المجموعة الشبابية أمس من تناول مجموعة من التصريحات والخطابات لسبعة من أبرز الزعماء السياسيين المحليين، رأت فيها توثيقاً، حضاً على تعزيز النزاعات الطائفية والمذهبية من السياسيين. وبدت الجمعية على حذرٍ في عرضها للأسماء، فرتبتهم وفقاً للترتيب الأبجدي، حيث تصدّر القائمة الرئيس الأسبق للجمهورية، أمين الجمّيل، وختمها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط. وإلى جانب عرض مقتطفات من تصريحات لهذين، اقتطفت الجمعية بعضاً من خطابات السيد حسن نصر الله والنائب سعد الدين الحريري، ورئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، إضافةً إلى رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، والنائب ميشال عون. والناظر إلى مقتطفات «شمل» يلحظ تبايناً واضحاً في مستوى التحريض بين الأفرقاء، إذا وافق على تصنيفه كذلك، ما أظهر الأمر كأنه محاولة لتفادي أي انحياز مفترض، على الطريقة اللبنانية الكلاسيكية: 6و6 مكرر. لكن ثمة ما يشفع للمجموعة الشبابية رغبتها باختيار الحياد. فإذا استثنيت الحالة الطائفية العامة التي تسود البلاد وأهلها، التي من شأنها أن تجعل الحديث المذهبي روتينياً، فإن ذلك لا يعني أن الأمر محصور حكراً، بالقادة الذين سماهم التقرير بالأسماء. كذلك، اختارت الجمعية القضاء مرجعاً للفصل في طرحها هذا، وهو المرجع الطبيعي والصحيح، لبتّ شؤون القانون والعدالة.
على الرغم من رتابة الطرح، أو عدم واقعيته من الناحية النظرية، قدّمت جمعية «شمل» إخباراً إلى النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي جوزيف معماري، عبر توكيل المحامي عصام سباط، كان موضوعه التحريض بموجب المادة 317. ولمزيد من الاطلاع على الإجراءات التي يمكن أن يتبعها القضاء مع الإخبار المذكور، اتصلت «الأخبار» بوزير العدل السابق، بهيج طبارة، الذي ذكّر بحقبة الانتخابات، التي لحظ فيها ارتفاعاً في مستوى الخطابات الطائفية، مشيراً إلى أن المادة الـ68 من قانون الانتخابات الحالي نصّت على أمر مشابه (الامتناع عن بثّ كل ما يتضمن إثارة للنعرات الطائفية أو المذهبية أو العرقية)، ومؤكداً أن هيئة الإشراف على الانتخابات هي المرجع في حالات كهذه.
في ضوء الصراع الانتخابي الحاصل، قد يستغرب المواطنون اتهام زعمائهم بالطائفية. الأشد غرابةً بالنسبة إليهم هو أن الطائفية هي بمثابة الجريمة في القانون.