في مشهد ربيعي مليء بالألوان والروائح العطرة، ومع فجر كل يوم تسعى عائلات في بعض قرى غرب بعلبك تخلّت عن زراعاتها التقليدية، إلى قطاف الإنتاج الجديد من أزرار الورد ابتغاء تأمين معيشتها
البقاع ــ رامح حمية
على الرغم من عدم وجود برامج تمويلية داعمة، سواء من الدولة أو من المنظمات الأهلية، أقدم عدد من المزارعين في بعض قرى غرب بعلبك على التخلي عن زراعات أساسية تقليدية كالتبغ والقمح، ولجأوا إلى زراعة مساكب الورد الجوري أو الشامي (Rosa Damascena) التي كانت بلدتا تمنين وقصرنبا قد انفردتا بها. فقد بدأت زراعة مساكب الورد تشهد رواجاً كبيراً في بلدات شمسطار وبيت صليبي ومزرعة الضليل وبوداي، بعدما ضاقت بهم سبل المعيشة مع الزراعات التقليدية، التي تتعرض تارة للخسائر، وتارة أخرى للتحكّم في الأسعار، وطوراً للصقيع وعدم تأمين أسواق للتصريف وحماية الإنتاج.
مزارعون تخلوا عن زراعة القمح والشعير والخضار، وآخرون آثروا ترك رخص تبغهم المرهونة للمصارف، التي باتت مع أسعار «الريجي» لا توفّر لهم إلا «الديون»، ليبدأوا مرحلة زراعية جديدة، أثبت العام الماضي والحالي مدى نجاحها في تأمين موارد رزق لأصحابها، في ظل آمال بأن تهتم الدولة بها سواء عبر تعاونية، أو بدعم مباشر، وخاصةً أنها تفتش منذ بداية التسعينيات عن بديل لزراعة الممنوعات.
روزة الحاج حسن (55 عاماً) التي بدأت بزراعة الورد منذ ثلاث سنوات، بقصد المساعدة في تأمين معيشة العائلة، ومساندة راتب الزوج المتقاعد، تخلّت عن رخصة التبغ، غير آسفة فـ«زراعة الورد ناجحة في شمسطار، لأن نوعية التربة والمناخ مناسبة لها. وفي كل الأحوال، إنّها أفضل مئة مرة من زراعة التبغ، التي تتطلّب العمل 16 شهراً بطريقة متواصلة وشاقة»، و«بالأخير الأسعار ما بيكفوا للفعالة ولا لسداد ديوننا... يعني عذاب قلب أكتر من كونها باب رزق». وتضيف روزة: «أما الورد، فيتطلّب العمل 25 يوماً في السنة حدّاً أقصى، في موسم القطاف، ولسنا بحاجة إلى الفعالة». «منتساعد كل أفراد العيلة حتى إصهرتي، فجر كل يوم في أيار، والحمد لله بيعطينا مردود صافي ما بين 2،5 مليون و3 ملايين ليرة بالسنة، وحسب هجمة الورد. فالعام الماضي كان موسمنا 2،5 طن من الورد الخام».
بدوره، تخلّى المزارع عبد المنعم حسن قاسم (64 عاماً) عن رخصة التبغ لمصلحة ابنه، وأقدم على زرع الورد في أرضه منذ ثلاث سنوات، بعدما لاحظ أنها زراعة واعدة وناجحة في المنطقة، «فهي تؤمّن المردود المادي، ولا تتأثر كثيراً بعوامل الطقس الباردة بالنظر إلى توقيت إنتاجها». ورأى أنه على الرغم من أنها زراعة تقليدية غير مدعومة من الدولة «فإنه يمكن الاعتماد عليها بالنظر إلى الخواصّ المميزة التي يتمتع بها الورد في منطقتنا، وازدياد الطلب عليه، سواء في الأسواق المحلية أو العالمية». وناشد قاسم وزير الزراعة إيلاء زراعة الورد الاهتمام اللازم، وخاصة «أنها تجمع بين ثلاثة قطاعات إنتاجية زراعية وصناعية وتجارية».
من جهته، يوضح محسن صليبي، الذي يتقن زراعة وصناعة وتجارة الورد، أن زراعة الورد في مزرعة بيت صليبي جرى اقتباسها من أهالي بلدة قصرنبا، وقد لفت نجاح هذه الزراعة عدداً من المزارعين في غربي بعلبك، ممّا دفعهم إلى التخلي عن بعض الزراعات التقليدية كالقمح والشعير والتبغ، واللجوء إلى زراعة مساكب الورد في أراضيهم من أجل «تأمين مورد رزق أفضل». ورأى أن هذه الزراعة بدأت «تشهد رواجاً كبيراً وملحوظاً، ويظهر ذلك من ارتفاع نسبة الأراضي التي زرعت في شمسطار، ومزرعة بيت صليبي ومزرعة الضليل وبوداي»، شارحاً أن زراعة الورد لا تتطلب الكثير من العمل، ذلك أن المطلوب بعد زراعة المساكب حراثة الأرض فقط بقصد تبريدها. وفي الفترة الممتدة من أول شهر آيار حتى نهايته، تسعى العائلات إلى قطاف أزرار الورد في الصباح الباكر، قبل ارتفاع حرارة الشمس، التي تُفقد الورود بعضاً من خواصها المميزة، ومن ثم بيعها للتجار وقبض ثمنها كاملاً آخر موسم القطاف. وأشار إلى «أنه يعمد إلى بيع إنتاج المنطقة من الورد لتجار من قصرنبا وزحلة والجنوب وطرابلس، وذلك بحسب سعر السوق، علماً أن الكيلوغرام الواحد يباع حالياً بـ3000 ليرة».
بدورها، مريم صليبي، التي أتقنت زراعة الورد، وعرفت كيف «تؤكل الكتف مرتين»، أقدمت وإخوتها على زراعة مساكب الورد في أرضهم في شمسطار، وفي أعالي جرود مزرعة بيت صليبي في سفوح السلسلة الغربية، ما يوفّر لها موسمين، الأول في آيار، والثاني في حزيران القادم، بالنظر إلى برودة الطقس هناك، وهو ما يؤخر الموسم حتى شهر حزيران». وأكدت صليبي أنها لا تكتفي ببيع الورد، بل تعمل على تصنيعه، وإنتاج ماء الورد بقصد استعماله والإتجار به، حيث يراوح سعر «القنينة» بين سبعة دولارات وعشرة.