يشارف موسم الورود على الانتهاء، في مثل هذا الوقت من كلّ عام، حيث تفرغ المشاتل من إنتاجها السنوي، ويجول البائعون المتجوّلون في الشوارع والطرقات العامة، حاملين «سطول» الورد الجوري، ويأملون اصطياد عاشقٍ يحب مفاجأة حبيبته بزر ورد أحمر أو أبيض، فيما تنتظر محالّ الورود دفعات الزبائن الذين يحتاجون إلى الورد لسد حاجات البروتوكولات الاجتماعيّة في الأعراس، أو زيارتهم أثناء مرضهم.
إذاً، يحمل فصل الربيع في جعبته وروداً كثيرةً، تستعمل كهدايا عاجلة للتعبير عن الحب. لكن الوظائف التاريخيّة للورود الجورية وزهر الليمون وزهور أخرى، ليست كما يحصرها البعض في الخانة العاطفية فقط. فللغذاء والتداوي حصّتهما من إنتاج الورود، لا بل إن ماء هذه الورود يتجاوز الحب والطعام والصحة، ليبلغ عتبة المستحبات الدينية، إذ يعد استعمال ماء الورد تقليداً متبّعاً في غسل الكعبة المشرّفة في مكّة.
أمّا في مصر، فيلوّن شراب الورد الأحمر أعراس المصريين. وفي لبنان حيث يكثر بيع الورود وشمّها على الأرصفة، فإن الورد يعد حاجةً غذائية لا تفارق السفرة اللبنانية، على تنوّع محتوياتها، بدءاً بالأطعمة والطبخات الدسمة، مروراً بالشراب، ووصولاً إلى الكبيس والحلويات. أما الجديد في الأسواق، فهو أقراص شوكولا مغلّفة بوردٍ جوري مجفف، يصعب تصوّر ابتلاعه في البداية، لكن التجربة توصل إلى رغبة معاكسة. هكذا، دأبت النساء اللبنانيّات في جنوب لبنان على تطعيم «دقّة الكبة» بالورد المجفف المطحون، إذ ينزع هذا التطعيم بالورد رائحة اللحم النيء من الكبّة. كذلك فإن ماء الورد وماء الزهر يحتلّان موقعاً مهماً في كثيرٍ من الحلويات كالمهلبيّة والسحلب والقشطليّة، فيما تفتح حبيبات زهور الليمون على وجه قطع الحلويات الرمضانية وغير الرمضانية، شهيّة محبي الحلويات. زد على ذلك أنّ الورد يدخل ضمن صناعة المربيات، إذ إن له مربّى خاصاً حاد الطعم، ومعطّراً للفم.
يصعب أن يكتسب أي محلٍّ للعطارة هذا اللقب، دون أن يخصّص برميلاً أو كيساً كبيراً لبيع مختلف أنواع الورود المجففة لأغراضٍ صحيّة، لعل أبرزها وصفات «الزهورات» الشعبية ضد الزكام والرشح، على الرغم من تقدّم الطب ونصحه باستعمال أقراص الفيتامينات، لعدم القدرة على اعتبار كل الورود صحيّة، إذ إن بعضها يخفي سموماً تحت خدوده الحمراء، كحال نباتات كثيرة في الطبيعة.
(الأخبار)