عمر نشّابةيجمع المحقّق أكثر المعلومات قيمةً خلال مراقبته عمل «الجاسوس» دون إدراكه (أو إدراكها). لذا تقتضي المعايير المهنية في عملية تعقّب شبكات الاستخبارات الأجنبية، وخصوصاً المعادية منها، التريّث في توقيف المشتبه فيهم بعد توافر الأدلّة الكافية التي تشير إلى طبيعة مهمّاتهم في لبنان، وذلك للأسباب الآتية:
1- إن توقيف مشتبه فيهم بالعمالة لقوى خارجية يُكشف عنه عبر الإعلام. فيعلم شركاؤهم والمتعاملون معهم بالأمر، فينقلون ذلك للجهة التي يعملون لها، ما قد يتيح لها ولهم فرصة تلف ما بحوزتهم من تجهيزات وملفات وأدوات والاختفاء عن الانظار أو التنبه وتنبيه الآخرين من مخاطر الوقوع في قبضة السلطات الامنية.
2- إنّ توقيف مشتبه فيهم اعترفوا أمام المحقّقين بالعمل لقوى معادية للبنان، والتمكّن من جمع أدلّة تؤكّد ذلك، لا يحسم الأمر تماماً، إذ يفترض إحالة هؤلاء الى المحكمة التي تتمتّع بالحقّ الحصري للإدانة بعد إفساح المجال أمام المشتبه فيهم للدفاع والتشكيك في صحّة الأدلّة وصدق المحققين والادعاء. لذا يفترض أخلاقياً وعدلياً عدم استباق حكم المحكمة عبر التريّث في عرض أسماء وتفاصيل عبر الاعلام. بكلام آخر، يفترض أن لا تتمتّع الاجهزة الامنية والعسكرية التي تسرّب أخباراً عن نشاطها في هذا الإطار بالثقة نفسها التي ينبغي أن يتميّز بها القضاة. ويتطلّب ذلك ما تجاهلته الدولة من واجب تحصين السلطة القضائية وتطويرها.
3- يفترض أن تدرس الأجهزة الرسمية المختصّة في تعقّب «الجواسيس» احتمال استخدامهم لإرسال معلومات مضلّلة للجهات المعادية. وقد يتمّ أيضاً الاتصال بالمشتبه به (بها) بطريقة سرّية لتجنيده (ها) كعميل مزدوج.
غير أن الإعلان عن توقيف «جواسيس» يحسّن سمعة الأجهزة الأمنية التي أوقفتهم والتي تعتبرها فئة لا يستهان بها من اللبنانيين فاسدة ومنحازة لفريق سياسي على حساب آخر. وقد يعتقد بعض قادة تلك الاجهزة بأن نشاطهم المفاجئ في تعقّب «العملاء» بعد سنين من الجمود (واللهو بأشياء أخرى) يغطّي على مخالفاتهم لقانون تنظيم قوى الأمن الداخلي، وخصوصاً لجهة قيامهم بأدوار سياسية، وتمثيلهم جهة نيابية خلال مفاوضاتها مع قوى نيابية مواجهة لها.