«شو هالبلد!!!» يعلن السائق فجأة، هكذا بعد صمت مطبق استمر نحو 20 دقيقة، رمى في وجهنا العبارة الأثيرة. «شو هالبلد» كلام يحتمل الكثير من التأويل والتفسيرات، ماذا يقصد؟ هل يريد أن يشتكي من التغلغل الطائفي؟ هل هو غاضب من الارتفاع «التقليدي» لأسعار الكماليات والحاجيات الأساسية؟ هل يفكر بالانتخابات النيابية؟ كيف أجيبه، ولماذا يصمت الركاب الآخرون؟
بداية، وقبل استكمال الحديث، عليّ أن ألفت إلى أنني استقللت سيارة الأجرة من الطيونة باتجاه الحمرا. وجدت فيها ثلاثة ركاب، كلهم صامتون، وقد استمر الصمت مطبقاً حتى وصلنا إلى منطقة بشارة الخوري، هناك تحديداً رمانا السائق بشكواه.
حاولت أن أفسر جملته فلم أفلح، فما كان أمامي سوى أن أستفسر منه عما يرمي إليه من خلال «البوح» بالعبارة الشهيرة التي تتردد على ألسنة معظم اللبنانيين. ابتسم الرجل، أخيراً، وجد بين الركاب من يريد أن يستمع إليه، وربما يكلمه، رفع حاجبيه ثم عقدهما «ولو يا عمو، ألا تسمعين نشرات الأخبار! كل يوم يكتشفون عميلاً، جاسوساً أو أكثر».
كيف أجيبه، والحديث سيأخذنا إلى كلام مؤلم، عن معنى الانتماء، عن الطائفية التي تنخر عظامنا، عن حب المال والمظاهر، عن غياب القيم، عن السياسيين... لكنه أسكتني، قال إنه يتألم، وبات يشك في أي كان، إنه يخاف من شكوكه، كلما تبدلت حال أحدهم نحو الأفضل، فجأة وبلمح البصر، يصير مثيراً للشكوك، أضاف أنه في الأيام الأخيرة وضع حداً لمطالب زوجته «لو غيرنا الكنبايات والستائر فجأة، شو بيقولو الجيران؟!... سيتساءلون بالتأكيد من أين له هذا؟»، حجة مقنعة، المشكلة بالنسبة إلى السائق أن زوجته وحدها لم تقتنع بحجته هذه.