بعد دور صلاح الدين الأيوبي في «ممكلة السماء»، بات نجماً عالمياً. لكنّ رحلته مع التمثيل بدأت قبل ذلك بكثير، منذ ترك غسان دراسة الأدب العربي، ليلعب مع فواز الساجر في «سكان الكهف». اليوم يخاف من دمعة ابنته كلّما رأت حقيبة السفر قرب الباب

إيمان الجابر
على قلق كأنّ الريح تحته. هكذا يبدو غسان مسعود لمن يعرفه جيداًً. إن سألته عن سبب كل هذا القلق في عينيه، سيجيب بابتسامة يشوبها كبرياء صريح: «القلق هو حصان الإبداع... لا يمكن أن تسرجي على السكينة حالة إبداعية». رجل إشكالي ملتبس، يشبه الشخصيات التي يتقمّصها وهي تشبهه: إنّه القائد الكبير، الشيخ الجليل، صعلوك من صعاليك الجاهلية، المنظّر المثقف والأستاذ في فنّ التمثيل. لم يؤمن يوماً بالأحزاب، بل يراها «معالف للخيول». باختصار، هو رجل حر مستقلّ، يصرخ عالياً كصرخة سيدني بواتييه الشهيرة: «أنا رجل».
في «مقهى كوستا» في «فندق الفصول الأربعة» في دمشق، كان لقاؤنا في ركنه الخاص، وأمامه الكومبيوتر المحمول يستعرض بعض صوره في تركيا. كان هناك قبل أيام، لحضور افتتاح الفيلم التركي «الفراشة» الذي يتناول تداعيات أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ويؤدّي فيه مسعود دور عالم متصوف يمثّل أحد تجليات جلال الدين الرومي. قال وهو يثبّت السيجارة في فمه، تلك اللفيفة التي يعتبرها الصديق الصامت الذي لا يعترض على نزقه: «الأجواء كانت رائعة بل أدهشتني، وخصوصاً استقبال الجمهور التركي للفيلم ولي». بدا غسان سعيداً بذلك. لقد عرفه الجمهور التركي والعالمي من خلال تأديته لدور صلاح الدين الأيوبي في «مملكة السماء» (2005) للمخرج ريدلي سكوت الذي قدّمه نجماً عالمياً، وفيلم «قراصنة الكاريبي الجزء الثالث» (2007) للمخرج غور فيربينسكي.
السنوات الخمس الماضية كانت مهمّة في حياته المهنيّة. مثّل في أفلام عالمية وعربية، ورفض أفلاماً كبيرة ومهمة لمجرد الشك بأنّها قد تسيء إلى وطنه وعروبته ودينه وثقافته. وجد بعضهم أن رفضه لفيلم «سيريانا» لستيفن غاغان، لم يكن مبرراً. يوضح مسعود: «لنقل إنني انتصرت للشك الذي في داخلي... «سيريانا» أحد أسماء سوريا القديمة. لن أقبل الإساءة لعشرة آلاف سنة من الحضارة من أجل فيلم». بسبب مواقفه الصلبة، قال عنه الصحافي الشهير روبرت فيسك في حوار نشر في جريدة «إندبندنت» البريطانية: «يذكّرني غسان مسعود بالصحافي الأميركي المتمرّد والمتحدّي أبداً، سايمور هيرش. الأفكار والغضب في فوران كالماء المغلي». في الحوار نفسه، يقول «لغة مسعود الإنكليزية في غاية الود، تشبه أسلوب الشاعر الإنكليزي تشاوسر في عمله الشهير «الفارس النبيل»».
بالطبع ليس سهلاً رفض فرص كبيرة كفيلم «كيان من الأكاذيب» لريدلي سكوت! فهي تعني خسارة مال وحضور سينمائي عالمي وتكريس لاسمه ونجوميته. نسأله إن كان ندم بعد مشاهدة الفيلم؟ يجيب بحدّة: «أبداً لا أندم على شيء تركته بملء إرادتي». تحوّلت نظراته المتّقدة إلى الحزن فجأة ما إن سألته: «أين أنت من السينما والدراما السورية؟»، هذا السؤال يطارده أينما ذهب، كأنّه لعنة. مجّ نفسين متلاحقين من السيجارة ـــــ لا ينتبه المرء متى استبدل واحدة منتهية بأخرى مشتعلة ـــــ تنفّس بعمق ليخرج دخاناً ممزوجاً بزفرة حارقة. «لا تعليق»، جواب صار يفضّله أخيراً. تعب من المعارك التي يخوضها مع من ينكر عليه نجاحاته متعمداً، كأنّ الشمس تحجب بغربال.
لكنّ غسان مسعود يكره أداء دور الضحية في الحياة، ويرفض بقوة أن يكون مظلوماً: «عندما أتحدث عن الظلم أجرح كبريائي بنفسي. ما يؤذيني حقاً، أنّ ابنتي أصبحت تبكي حين ترى حقيبة السفر أمام الباب. هذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أقول ليتني أعمل في وطني». يقول غسان بما يشبه البوح: «اللحظة التي أكوّن فيها مشهداً مسرحياً، أقترح وطناً من خيالي». الوجه المعتدّ الذي تعبره خطوط واضحة وعميقة، لا تناسبه مقولة «لا كرامة لنبيّ في وطنه». «الوطن ليس أشخاصاً»، يقول. في بلد ينتج سنوياً ما يزيد على خمسين عملاً تلفزيونياً، يمثّل غسان في مسلسل واحد كل أربع سنوات. يقول بعضهم إنّه يعتذر سواء كانت الأعمال المعروضة مصريّة أو سورية، ويتهمه بعضهم الآخر بأنّه يبالغ في أجره المادي. يستنكر: «لا أطلب أجراً يتجاوز ما يأخذه زملائي، والأدوار التي تعرض عليّ ليست في مستوى تطلعاتي، لذلك أعتذر عن عدم قبول العروض».
غسان مسعود لا يقنع بما دون النجوم. الممثل الذي ولد في فجليت، القرية الغافية على سفح جبل، فوق منطقة دريكيش التابعة لمدينة طرطوس... في هذه القرية القريبة من النجوم، المعروفة بكثرة ثلوجها وغزارة أمطارها وألوانها البديعة، وإطلالتها على البحر، تشكّلت شخصية مسعود. الأفق المفتوح جعل روحه تنفتح على الجمال والفن بشكل غريزي، قبل أن يتعلمه في الأكاديميات. «عن قصد أو غير قصد، ذهبت إلى الفنّ باللاوعي. أهم ما شكّل شخصيتي هو مفهوم اللون إلى درجة أنّني لو لم أشتغل في التمثيل والإخراج، ربما كان أقرب خيار لي هو الفن التشكيلي».
والده علّم اللغة العربيّة في القرى لأبناء البكوات في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. غسان كان الأقرب إلى والده بين إخوته العشرة، وهو السادس بينهم. «كنّا خمس بنات وخمسة صبيان، لكنني لا أعرف سبب تفضيل والدي لي. ربما لأنّ بنيتي كانت ضعيفة»، يقول. ربما لأنه استبشر بك خيراً، نضيف. هل تتمنى لو أنه ما زال حياً ليراك؟ «أفترض أنه يراني في كل لحظة، وكل شيء مهم أنجزه أهديه له».
أنهى دراسته الإعدادية في قريته، والثانوية في دريكيش وحصل على أعلى علامة في طرطوس في اللغتين العربية والإنكليزية. الأولى جعلت منه نجماً مسرحياً، والثانية فتحت له أبواب العالمية. بعد الثانوية التحق بجامعة دمشق لدراسة اللغة العربية، وفي السنة الثالثة استمع إلى نصيحة صديقه الأستاذ في كلية الآداب وائل بركات الذي قال له حينها: «هناك مخرج عائد من روسيا واسمه فواز الساجر، يبحث عن ممثلين لإنشاء فرقة للمسرح الجامعي. لماذا لا تترك هذه الجامعة وتتجه للمسرح، فأنا أرى أن المسرح يليق بك أكثر». وكان اللقاء مع فواز الساجر الذي أعطاه أول فرصة في مسرحية «سكان الكهف» عام 1988. تلك المسرحية التي كتب عنها يومهاً، أنّها أحدثت انقلاباً في فنّ التمثيل المسرحي على المستوى العربي. منذ ذلك الحين وغسان مسعود من ألمع وجوه المسرح العربي.


5 تواريخ

1958
الولادة في قرية فجليت ـــــ طرطوس (سوريا)

1986
تخرّج من «المعهد العالي للفنون المسرحية» وسافر إلى فنلندا وألمانيا وفرنسا لينجز دروساً تدريبية في «فن الأداء المسرحي»

1992
عُيِّن أستاذاً مشرفاً على مادّة فنّ التمثيل في «المعهد العالي للفنون المسرحية» وأشرف خلال سنوات عدّة على إنجاز عدد من مشاريع التخرّج

2005
مثّل في «مملكة السماء» لريدلي سكوت

2009
انتهى من تصوير دوره في مسلسل «قاع المدينة» الذي يخرجه سمير حسين، وبين يديه سيناريو هوليوودي قيد الدرس بعنوان «الشارد»