وائل عبد الفتاحهذا أسبوع أوباما في القاهرة. الشوارع والأجهزة الأمنية. المعارضة والنظام. الإخوان المسلمون والأقباط. طوفان رسائل تتقاطع في «زيارة السيد الرئيس...».
قيل الوصف من قبل عن زيارة ريتشارد نيكسون الشهيرة في ١٩٧4. الزيارة حملت علامات عهد جديد في العلاقة بين القاهرة وواشنطن. وسيطر مزاج الانتظار والأمل على برنامج نيكسون وجولته الشهيرة عبر القطار بين قرى الدلتا في مصر.
نيكسون وصل إلى مصر في عز زهوة أنور السادات الخارج منتصراً من الحرب مع إسرائيل، والقادر على ترويج «الحلم الأميركي» في المنطقة. واستعادت الزيارة ما خلفه اختيار عبد الناصر بعد العدوان الثلاثي في ١٩٥٦ للمعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي) لتختار أميركا إسرائيل مندوبتها وحليفتها الأولى في المنطقة.
نيكسون أراد إضافة مصر لموقع الحليف، وإعلان استعادتها من معسكر العداء. الآن يصل أوباما القاهرة ومصر في قلب الحلفاء، بل وفي مركز متقدّم باعتبارها «قلب العالم الإسلامي» رغم سجلها المنخفض في حقوق الإنسان.
اختارت هيلاري كلينتون وصف «القلب» لتردّ به على نشطاء مصريين (في اجتماع أعقب دورة تدريبية) حيّرتهم اختيارات إدارة أوباما. الوصف يعني اختيار موقع المنصة وشحناتها الموجهة إلى القلب العربي من العالم الإسلامي.
ماذا يريد أوباما من نظام يعيش في أيام شيخوخته الطويلة؟ هل يستطيع مبارك ترويج «أميركا الجديدة» كما فعل السادات لينهي سنوات من التحالف بين مصر والاتحاد السوفياتي، العدو السابق لأميركا.
هل يعرف مبارك ماذا يريد أوباما؟
الرئيس ونظامه سعيدان بالزيارة، رغم أنهما لا يعرفان أجندة أوباما الغامض في سحره وملفاته. والمتسرب ببطء إلى منصات يريدها تاريخية وعملية في الوقت نفسه. نظام مبارك يشعر بأنه في الزيارة حصل من جديد على ضوء أخضر بتكريس مشروعه السياسي «القادم». وهو مشروع غامض وغير معلن، وإن كانت هناك تأويلات متعددة عن طبيعة المشروع.
هناك إشارات أخرى، منها أن أسلوب أوباما في التعامل مع الأنظمة هو الاعتراف بالقوى الموجودة على الأرض وليس دعم أو اختراع قوى أخرى أو مناوئة للنظام. أي إنه أسلوب مختلف عن تحريك «الثورات البرتقالية» في أوروبا الشرقية، وهو ما يزعج نماذج من المعارضة التي سمح لها النظام بالمشاغبة، ولم تتمكن من التحول إلى قوى حقيقية على الأرض.
أوباما لديه في القاهرة ١٧ ساعة ليدخل معها إلى عالم إسلامي جديد يحسّن فيه أداء الحلفاء القدامى ويقدّم للمرة الأولى ضغطاً أميركيّاً معلناً لمصلحة حلّ الدولتين.
لا يمكن التكهّن بنصيحة كيسنجر التي قالها لأوباما بعد لقاء «محتقن» مع نتنياهو، لكن غالباً هو استقراء لخبرات أصحاب الزيارة الأولى.
كيسنجر ونيكسون هما أصحاب التحول الكبير في المنطقة. استطاعا إدارة القلب باتجاه واشنطن. لم تعد السعودية وحدها. القاهرة استقطبت بطريقتها إلى الحلف الذي يشهد، بزيارة الرئيس الجديد، مرحلة جديدة. تستقر فيه الأنظمة وتنتقل على محركات أميركية إلى مناطق آمنة. الاستيطان سيتوقف شكلياً في هوامش تسمى عادة «البؤر الاستيطانية». وسيكون الضغط الأكبر للموافقة على الدولتين.
المهم على ماذا سيحصل أوباما فلسطينياً؟
سيحصل إسلامياً على قلب جديد. تضخ فيه مشاعر وأفكار مثل نقطة ترومان الرابعة.
لكنه فلسطينياً يريد أكثر من مبادرة السلام العربية. أكبر من الاعتراف. وهذه أشياء بعيدة عن البوابتين المصرية والسعودية.
هل سيحمل مشروع أوباما الجديد على مستوى دمج قوى «الممانعة»؟ الدمج خطر على هذه القوى، كما هو خطر على الأنظمة، وخصوصاً إذا لم يكن على أساس مشروع أوسع بتغيير عميق.
أوباما يعترض مبدئياً على الإخلال بأمن المنطقة (وهذا يعني ترتيبات ممتدة من بغداد إلى باكستان وأفغانستان مروراً بإيران وصولاً إلى بيروت وغزة)، وهي ترتيبات ترتبط بالأمن من وجهة نظر أوباما لكنها تمس شيئاً هاماً وحساساً في المنطقة، وهو الحقوق.
الفرق بين الأمن والحقوق كبير، وفجوته تحتاج إلى أكثر من خطاب ونصيحة من خبراء مثل كيسينجر. تحتاج أيضاً إلى رهان على قوى لا تحتاج إلى «تكريس» سلطتها الخالدة، مثل نظام مبارك، أو دعم نفوذها المعتمد على الثقل الديني مثل السعودية.
الزيارة تتقاطع مع أشواق كبيرة في التغيير (هناك إشارات في الكويت، وانقلابات في لبنان، وفي مصر تغيير نقيب المحامين ورئيس ناد رياضي كلها علامات كبيرة عن الرغبة في التغيير).
وهذا يعني ببساطة أن التغيير في موقف أميركا من العالم الإسلامي وطلب فتح صفحة جديدة ليس بسهولة عبور كيسنجر الدلتا المصرية في نافذة قطار. إنه أصعب بكثير.