ريمون هنّودإنّ ما كتبه عمر فاخوري في عصر النهضة، يجعل القارئ يتساءل: هل كان عمر فاخوري من خلال كتابه «الباب الموصود» تقدمياً وماركسياً؟ هو شخصياً لم يصرّح بذلك، ولكن بعض كتاباته وكأنها كانت ترجمة حقيقية لتلك المبادئ. ويجب ألا ننسى أن في ذلك الزمن كان الخوف لا يزال مسيطراً على الأقلام. حتى في زمننا الحاضر، فالخوف لم يُمحَ نهائياً من قلوب أصحاب الأقلام. هل يا ترى عمر فاخوري قرأ شعار: «الدين أفيون الشعوب» مدوّناً بخط يد أناتول فرانس على باب تلك المدرسة؟ لقد كتب عمر فاخوري في كتابه «الباب الموصود»: إن البشر يسعون بكل قواهم إلى بلوغ السعادة العظمى، ولكنهم في غالب الأحيان لا يحظون بها. ويردّد عمر: إن البشر في حياتهم هذه كرفاق سفر استيقظوا بغتة على غير موعد في حجرة حبيسة الهواء، مظلمة، فهبّ كل واحد من هؤلاء ليفتح الحجرة فيجد عالماً برّاقاً على مياهه الملائكة، وتومض الدواري وترقص الجنيات في مروج من سندس، حيث الهناء والطمأنينة والراحة التامة الشاملة. ويختم عمر مقالته الحاملة عنوان «الباب الموصود» فيحدثنا عن بودلير الشاعر الفرنسي الذي خاطب الأفيون الأعظم قائلاً له: إن كان النعيم في الموت وحده، فلتكن المرحلة الأخيرة يا نفسي. وهنا يضيف عمر أن بودلير وأفيونه التقيا بالبوذيين ونيرفانهم لتمام كروية الأرض.
مما لا شك فيه، ثبت أن عمر أراد أن يقول إنه يعني بالأفيون العظيم الدين مطلقاً. وهنالك الكثير من الذين كتبوا عن سيرة عمر وأدبه تهرّبوا من الحديث عن هذه الحقيقة. فعمر تصدى لسحر هذا الأفيون العظيم. وما عمر إلا واحد من الذين أبدعوا عندما تحرروا من هذا السحر وعبدوا العقل. ذات يوم غضب نيتشه في لحظة حزن وضعف وبادر إلى إعلان وفاة الله، ولكن رجال الدين حينها لم يأبهوا لهذا النعي العجيب، ولم يستنكروا نعي مؤلف كتاب: «هكذا تكلّم زرادشت»، ورغم ذلك، ما زالوا في حالة حرب مع كل كائن مؤمن بأن الدين أفيون الشعوب، وكيف لا يُحارَب نيتشه العصبيّ، ويحارب ماركس المنطقي، الهادئ، الرزين؟
إنّ الحرب على ماركس لم تكن على ما يبدو بسبب شعاره «الدين أفيون الشعوب»، بل بسبب دعوته إلى إسقاط نظام الاستغلال والاستعباد واستبداله بنظام العدالة الاجتماعية.
وبالعودة إلى عمر فاخوري، فهو الذي نظر إلى الناس الذين ولدوا في غرفة حبيسة الهواء خافتة النور أو مظلمة، ولكن الأفيون وعدهم بعالم يؤمّن لهم السعادة العظمى بديلاً من دنيا ليس فيها إلا الشقاء والبكاء، ويمكن تسميتها وادي الدموع. للأسف الذين يسيطرون على مقود الدين يهددون الإنسان بنار جهنم أو الحياة الأبدية في الجحيم، إنْ هو حاد عن الطريق القويم.
وقد نجد أناساً يسلكون طريق الوصايا العشر، لكن رغم ذلك ثمة أوصياء عليهم يحكمون عليهم بأنهم يسيرون في طريق الضلال. وفي المقابل هناك أناس خالفوا وصايا الله ورغم ذلك وُعِدوا بجنان النعيم. وعموماً، إن غالبية البشر حفظت وصايا الله العشر ولكن حفظها لم يمنعها من الزنى والقتل والسرقة، وكم أن هنالك أناساً في هذه المعمورة سكنتهم المعاصي وعند الصلاة على جثامينهم في نهاية مطافهم ظهرت براءتهم على أيدي مَن سنّ القوانين.
رحم الله أبا الطيّب المتنبي الذي قال: «أبوكم آدَمٌ سَنَّ المعاصي، وعلَّمَكُمْ مفارقةَ الجنانِ». رغم أن الواقع لا يقول إنّ سنّ المعاصي كان من اختراع آدم، بل إن صاحب الاختراع كان واقع الحياة وشروطها. وأعتقد أن المتنبي أخطأ في مقولة: «علّمكم مفارقة الجنان، فآدم لم يكن في يوم من الأيام في تلك الجنان. لا شك في أن عمر فاخوري عندما كتب «الباب الموصود» أزاح الستار عن سر هذا الأفيون العجيب الساحر. لقد كشف عمر الستار وأسقط القناع واستوحى شعار ماركس: الدين أفيون الشعوب.